إلى المدينة فلم أر ما يدل عليه ولعل قائله استند إلى ما روى في قصة مهاجر أم قيس قال ابن دقيق العيد نقلوا ان رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وانما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس فلهذا خص في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما ينوى به انتهى وهذا لو صح لم يستلزم البداءة بذكره أول الهجرة النبوية وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال من هاجر يبتغى شيئا فإنما له ذلك هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش بلفظ كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فابت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكنا نسميه مهاجر أم قيس وهذا اسناد صحيح على شرط الشيخين لكن ليس فيه ان حديث الأعمال سيق بسبب ذلك ولم أر في شئ من الطرق ما يقتضى التصريح بذلك وأيضا فلو أراد البخاري اقامته مقام الخطبة فقط إذ الابتداء به تيمنا وترغيبا في الاخلاص لكان سياقه قبل الترجمة كما قال الإسماعيلي وغيره ونقل ابن بطال عن أبي عبد الله بن النجار قال التبويب يتعلق بالآية والحديث معا لان الله تعالى أوحى إلى الأنبياء ثم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ان الأعمال بالنيات لقوله تعالى وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وقال أبو العالية في قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا قال وصاهم بالاخلاص في عبادته وعن أبي عبد الملك البوني قال مناسبة الحديث للترجمة ان بدء الوحي كان بالنية لان الله تعالى فطر محمدا على التوحيد وبغض إليه الأوثان ووهب له أول أسباب النبوة وهى الرؤيا الصالحة فلما رأى ذلك أخلص إلى الله في ذلك فكان يتعبد بغار حرا فقبل الله عمله وأتم له النعمة وقال الملهب ما محصله قصد البخاري الاخبار عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في حال منشئه وان الله بغض إليه الأوثان وحبب إليه خلال الخير ولزوم الوحدة فرارا من قرناء السوء فلما لزم ذلك أعطاه الله على قدر نيته ووهب له النبوة كما يقال الفواتح عنوان الخواتم ولخصه بنحو من هذا القاضي أبو بكر ابن العربي وقال ابن المنير في أول التراجم كان مقدمة النبوة في حق النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى الله تعالى بالخلوة في غار حراء فناسب الافتتاح بحديث الهجرة ومن المناسبات البديعة الوجيزة ما تقدمت الإشارة إليه ان الكتاب لما كان موضوعا لجمع وحى السنة صدره ببدء الوحي ولما كان الوحي لبيان الأعمال الشرعية صدره بحديث الأعمال ومع هذه المناسبات لا يليق الجزم بأنه لا تعلق له بالترجمة أصلا والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث قال أبو عبد الله ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شئ أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني على أنه ثلث الاسلام ومنهم من قال ربعه واختلفوا في تعيين الباقي وقال ابن مهدي أيضا يدخل في ثلاثين بابا من العلم وقال الشافعي يدخل في سبعين بابا ويحتمل ان يريد بهذا العدد المبالغة وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضا ينبغي ان يجعل هذا الحديث رأس كل باب ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بان كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها ومن ثم ورد نية المؤمن خير من عمله فإذا نظرت
(٨)