ثلاثة أيام وجمع النووي بين الحديثين بان عمر لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم في المجلس بل كان ممن قام اما مع الذين توجهوا في طلب الرجل أو لشغل آخر ولم يرجع مع من رجع لعارض عرض له فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال ولم يتفق الاخبار لعمر الا بعد ثلاثة أيام ويدل عليه قوله فلقيني وقوله فقال لي يا عمر فوجه الخطاب له وحده بخلاف اخباره الأول وهو جمع حسن * (تنبيهات) * الأول دلت الروايات التي ذكرناها على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف انه جبريل الا في آخر الحال وان جبريل أتاه في صورة رجل حسن الهيئة لكنه غير معروف لديهم وأما ما وقع في رواية النسائي من طريق أبى فروة في آخر الحديث وانه لجبريل نزل في صورة دحية الكلبي فان قوله نزل في صورة دحية الكلبي وهو لان دحية معروف عندهم وقد قال عمر ما يعرفه منا أحد وقد أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الايمان له من الوجه الذي أخرجه منه النسائي فقال في آخره فإنه جبريل جاء ليعلمكم دينكم حسب وهذه الرواية هي المحفوظة لموافقتها باقي الروايات * الثاني قال ابن المنير في قوله يعلمكم دينكم دلالة على أن السؤال الحسن يسمى علما وتعليما لان جبريل لم يصدر منه سوى السؤال ومع ذلك فقد سماه معلما وقد اشتهر قولهم حسن السؤال نصف العلم ويمكن ان يؤخذ من هذا الحديث لان الفائدة فيه انبنت على السؤال والجواب معا * الثالث قال القرطبي هذا الحديث يصلح ان يقال له أم السنة لما تضمنه من جمل علم السنة وقال الطيبى لهذه النكتة استفتح به البغوي كتابيه المصابيح وشرح السنة اقتداء بالقرآن في افتتاحه بالفاتحة لأنها تضمنت علوم القرآن اجمالا وقال القاضي عياض اشتمل هذا الحديث على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الايمان ابتداء وحالا ومآلا ومن أعمال الجوارح ومن اخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه قلت ولهذا أشبعت القول في الكلام عليه مع أن الذي ذكرته وإن كان كثيرا لكنه بالنسبة لما يتضمنه قليل فلم أخالف طريقة الاختصار والله الموفق (قوله قال أبو عبد الله) يعنى المؤلف جعل ذلك كله من الايمان أي الايمان الكامل المشتمل على هذه الأمور كلها (قوله باب) كذا هو بلا ترجمة في رواية كريمة وأبى الوقت وسقط من رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما ورجح النووي الأول قال لان الترجمة يعنى سؤال جبريل عن الايمان لا يتعلق بها هذا الحديث فلا يصح ادخاله فيه قلت نفى التعلق لا يتم هنا على الحالتين لأنه ان ثبت لفظ باب بلا ترجمة فهو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله فلا بد له من تعلق به وان لم يثبت فتعلقه به متعين لكنه يتعلق بقوله في الترجمة جعل ذلك كله دينا ووجه التعلق انه سمى الدين ايمانا في حديث هرقل فيتم مراد المؤلف يكون الدين هو الايمان فان قيل لا حجة له فيه لأنه منقول عن هرقل فالجواب انه ما قاله من قبل اجتهاده وانما أخبر به عن استقرائه من كتب الأنبياء كما قررناه فيما مضى وأيضا فهرقل قاله بلسانه الرومي وأبو سفيان عبر عنه بلسانه العربي وألقاه إلى ابن عباس وهو من علماء اللسان فرواه عنه ولم ينكره فدل على أنه صحيح لفظا ومعنى وقد اقتصر المؤلف من حديث أبي سفيان الطويل الذي تكلمنا عليه في بدء الوحي على هذه القطعة لتعلقها بغرضه هنا وساقه في كتاب الجهاد تاما بهذا الاسناد الذي أورده هنا والله أعلم (قوله باب فضل من استبرأ لدينه) كأنه أراد أن يبين ان الورع من مكملات الايمان فلهذا
(١١٦)