ومقطوع على صحتها، ولم يدع صحة جميعها والأخذ به، ونحن نعترف بذلك، فلا ينهض حجة لهذا القائل.
وأما الشيخ؛ فلم يصرح بصحة الأحاديث، وإنما ادعى الإجماع على جواز العمل بها - بناءا على ما ادعاه واختاره - وناهيك ما في الإجماع الذي يدعيه من القصور - كما هو غير خفي على من تتبع ذلك - حتى إنه ليدعي الإجماع في مسألة، ويدعي إجماعا آخر - على خلافه - فيها، وهو كثير، ومن هذا طريقه في دعوى الإجماع؛ كيف يتم الاعتماد عليه، والوثوق بنقله؟! على أنه صرح في كتابه الكبير (1) بكثرة الأخبار واختلافها والتباسها، حيث قال: إنه لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا.
ثم قال: حتى دخل على جماعة - ممن ليس لهم قوة في العلم، ولا بصيرة بوجوه النظر، ومعاني الألفاظ - شبهة، وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحق.
ثم ذكر عن شيخه (2) أبي الحسن (3) الهاروني العلوي أنه كان يعتقد الحق، ويدين بالإمامة، فرجع عنها لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث، وترك المذهب.
وهذا الكلام يقرب مما ذكرناه عن ابن يعقوب في الاعتراف بكثرة الاختلاف في الأخبار والتباسها، وأن الظاهر مما ذكراه من صحة الأخبار راجع إلى الاختيار والترجيح بالأمارات والقرائن، والشاهد على ذلك ما نراه كثيرا من كلام الشيخ في رد الخبر بالضعف، وفساد المذهب، ومخالفة الإجماع - مع ما قرره في كتبه من القرائن المفيدة لصحته - ومن هذا شأنه كيف يحكم عليه بهذا الحكم؟!
نعم، كلام الصدوق في الفقيه صريح في ذلك، إلا أنه - أيضا - فيما اعتقد صحته - بزعمه - واقتصر عليه في الاختيار من الأحاديث المدونة، فلا ينهض حجة على غيره،