والشاهد على ذلك قوله: " لم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى جمع (1) ما أفتي به وأحكم بصحته " (2) حيث لم يقل: جميع (3) ما أفتي به وأحكم بصحته.
ثم لا يخفى ما فيه من الدلالة - أيضا - على عدم صحة جميع ما في الكتب المؤلفة التي منها كتاب الكافي لابن يعقوب، إذ لو كانت [كما] يدعيه هذا القائل لوجب عليه العمل بها، والاعتماد عليها، ولم يجز له العدول منها إلى ما يخالفها، ولا فوات شيء منها، لأنه بفوات ذلك الشيء يفوت الثابت في الذمة [وهو] غير جائز.
هذا، والذي يخطر بالبال هو أن أمر الأئمة (عليهم السلام) بتمييز الروايات بعضها عن بعض؛ بما قرروه من وجوه الترجيح - وهو: العرض على كتاب الله، والترك لما وافق القوم، والأمر بالأخذ بقول العدل والثقة، والمجمع عليه، ونحو ذلك من وجوه التمييز - دليل على [أن] الأخبار الواصلة إلينا غير سليمة من المفسدة، فيحتاج في تمييز بعضها عن بعض إلى القرائن المفيدة للصحة، وهي تختلف باختلاف آراء المحدثين، فمدعي القطع بصحتها يجوز عليه الخطأ في تلك الدعوى، والطريق الذي حصل له القطع به ربما كان ضعيفا لو اطلعنا عليه.
ومما يشهد لذلك أنا نجد من يذهب إلى القطع بصحة بعض الأخبار التي لا يحصل للناظر فيها ظن، فضلا عن غيره، ولذا نجد أن بعض أصحابنا السالفين مختلفين باختلاف الأخبار - فيما مضى، وغيره من الأعصار - وما ذلك إلا لأن كل من عمل بخبر فهو عنده صحيح دون غيره، وهكذا غيره بالنسبة إليه، وهو دليل فساد أحد الخبرين، وكل مكلف بما علم صحته، إذ لو صحا عنده لعمل بمضمونها - ولو بالتوزيع - أو توقف، وإذا كانت قرائن أحدهما المفيدة لصحة أخباره لم تفد صاحبه صحة في أخبارهم - مع اطلاعهم على ما لم نطلع عليه - فنحن أولى.