فمع وجود هذه المرجحات يحكم العقل بترجيح صدق خبر الواحد الذي وجد فيه إحدى المرجحات، بل وتقديمه على خبر الواحد الفاقد لها.
فإن قلت: بعد فرض وجود المرجح العلمي بكلا قسميه؛ لا يجوز الاعتماد والرجوع إلى الثاني بكلا فرديه، للزوم ترجيح المرجوح على الراجح، وكذا لو عمل بالأول من الثاني لا حاجة إلى الثاني من الثاني، بل ما يلزم - فيما لو اكتفى بالأول من الأول - يلزم على العمل بالثاني من الثاني لو اكتفى بالأول من الثاني.
قلت: نعم، لكن المرجح العلمي في سلسلة الأخبار - بكلا قسميه - قليل غاية القلة، وكذا الظني، والقرائن علمية كانت - كما في الثاني من الأول - أو ظنية - كما في الثاني من الثاني - أيضا قليلة، فعدم الكفاية الجأنا إلى إعمال جميع المرجحات بإعمال القواعد الرجالية، بل انحصرت القرينة في زماننا هذا بالظنون الحاصلة من المرجحات الداخلية والخارجية، [و] بعد الرجوع إلى علم الرجال يحصل الاطلاع عليها.
فإن قلت: إذا عرفنا شخص الراوي وعينا ذات المخبر بالاسم - كما مرت الإشارة إليه في مقام التعريف - ذاتا أو صفاتا؛ فلا يحتاج إلى علم الرجال.
قلت: معرفة الراوي إما بالمعاشرة التامة، والمخالطة والمصاحبة الموثوقة، وذلك لا يحصل إلا بالملاقاة المخصوصة، وإما بالإخبار [وهو] إما بالتسامع والتظافر، أو غيره.
أما الأول؛ فلا شك أن ذلك منتف بالنسبة إلينا، لعدم معاشرتنا - ولو ناقصة - لواحد من المشايخ الذين قد جمعوا أسانيد الرواة وأصحابهم [ف] كيف بمعاشرتنا [لهم] بالمصاحبة، فلا بد أن يكون الاطلاع على أحوالهم وأوصافهم؛ من الوثاقة وعدمها، وأسباب الصدق والكذب - مدحا وقدحا - إما بالإخبار على نحو التواتر والتظافر [وهو] قليل غاية القلة مثل عدالة سلمان - رضي الله عنه - وأمثاله كأبي ذر والمقداد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأحاديث المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) [فإنها] قليلة في الأبواب، [ف] كيف بإخبار هؤلاء المحصورين في واقعة من الوقائع، كقوله (صلى الله عليه وآله): " على اليد ما أخذت [حتى تؤدي] " وأمثاله، بحيث صار من القواعد المسلمة [التي] لا يحتاج في