____________________
الإذعان بذلك سيان فان عندنا ما يوجب تزييف قولكم بوجوب شكر المنعم بقضية العقل ولدينا ما يقتضي تسخيف اعتقادكم بثبوت ذلك من دون ورود النقل، فان ما جعلتموه دليلا من خوف العتاب ومظنة العقاب مردود إليكم ومقلوب عليكم، إذ الخوف إنما هو عند قيام العبد بوظائف الشكر والحمد فان كل من له أدنى عقل يحكم حكما لا ريب فيه ولا شك يعتريه بأن السلطان العظيم والملك الكريم الذي ملك الأكناف شرقا وغربا وسخر الأطراف بعدا وقربا، إذا مد لأهل مملكته من الخاص والعام مائدة عظيمة لا مقطوعة ولا ممنوعة على توالي الأيام مشتملة على أنواع المطاعم الشهية مشحونة بأصناف المشارب السنية يجلس عليها الداني والقاصي ويتمتع بطيباتها المطيع والعاصي، فحضرها في بعض الأحيان فقير لم يحضرها قبل ذلك الآن فدفع إليه الملك من ذلك الخبز (1) لقمة واحدة لا غير فتناولها ذلك الفقير ثم شرع في الثناء على ذلك الملك الخطير وجعل يمدحه بجليل الإنعام والإحسان ويحمده على جزيل البر والامتنان ولم يزل يصف تلك اللقمة ويذكرها ويعظم شأنها ويشكرها فتارة يحرك أنملته شاكرا وطورا يهز رأسه ذاكرا، فلا شك إن ذلك الشكر والثناء ينتظم عند العقلاء في سلك التهكم والاستهزاء فيتوجه العتاب إليه بل يستحق العقاب عليه، فكيف ونعم الله تعالى علينا بالنسبة إلى عظيم سلطانه وعميم كرمه وإحسانه أحقر من تلك اللقمة بالنسبة إلى ذلك الملك بمراتب لا يحويها الإحصاء ولا يحوم حولها الاستقصاء، فظهر أن العقل السليم والرأي القويم يقتضيان تقاعدنا عن شكره تعالى على نعمائه ويحكمان بوجوب الكف عن حمده سبحانه على آلائه ولا يخفى على من سلك مسالك السداد ولم ينهج مناهج اللجاج والعناد، أن لأصحابنا رضوان الله عليهم أن يقولوا إن ما.