____________________
أوردتموه من الدليل وتكلفتموه من التمثيل كلام مختل عليل لا يروي الغليل ولا يصلح للتأويل فان تلك اللقمة لما كانت ذات قدر حقير عند الملك، والفقير عديمة الاعتبار في جميع الأنظار، لا جرم كان الحمد عليها والثناء منخرطا في سلك السخرية والاستهزاء، فالمثال المطابق لما نحن فيه المناسب لما نقتفيه أن يقال: إذا كان في زاوية الخمول وهاوية الذهول، مسكين أخرس اللسان، مئوف الأركان، مشلول اليدين معدوم الرجلين مبتلى بالأسقام والأمراض، محروم من جميع المطالب والأغراض، عادم للحواس الظاهرة بأسرها، عار عن المدارك الباطنة بآخرها، فأخرجه الملك من غيابة تلك الزاوية، وكآبة تلك الهاوية، ومن عليه بإطلاق لسانه، وتقوية أركانه، وإزاحة خلله وعلله، وإماطة إقعاده وشلله، وتعطف عليه باعطائه السمع والبصر، وتكرم بهدايته إلى جلب النفع ودفع الضرر وبالغ في إعزازه وإكرامه، وفضله على كثير من أتباعه وخدامه، ثم إنه بعد إنقاذ الملك له من تلك الآفات العظيمة، والبلايا العميمة، وشفائه من تلك الأمراض والأسقام، والإحسان إليه بجزيل الإنعام وجميل الإكرام، طوى عن شكره كشحا، وأضرب عن حمده صفحا، ولم يظهر منه ما يدل على الاعتناء بتلك النعماء التي ساقها ذلك الملك إليه، والآلاء التي أفاضها وأسبغها عليه، بل كان حاله بعد وصولها كحاله قبل حصولها، فلا ريب انه مذموم بكل لسان، مستوجب للإهانة والخذلان، فدليلكم حقيق بأن تكتموه ولا تظهروه، وتمثيلكم خليق بأن تستروه ولا تسطروه فان العقل السليم يأباهما، والطبع المستقيم لا يرضاهما والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (1).