وحينئذ نقول: إذا ثبت كون الاجماع واقعا على اشتراط الإمام أو نائبه في وجوب الجمعة امتنع وجوبها بدون الشرط، فإذا أمكن النائب الخاص تعين، لأن النيابة على الوجه الخاص مقدمة على النيابة العامة، وإنما يصار إلى الثانية مع تعذر الأولى، ولا ريب أن مشروعية الجمعة حال الغيبة إنما هو بطريق الوجوب تخيرا، كما عرفته غير مرة فيتناوله الاشتراط المذكور.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد كون المشروط بالإمام أو نائبه هو وجوبها عينا حتما، بل هو المتبادر إلى الأفهام من معنى الوجوب؟
قلنا: الوجوب مفهوم كلي يصدق على الحتمي والتخييري، والمضيق والموسع، والعيني والكفائي. وكل من عرف اصطلاح الفقهاء والأصوليين علم ذلك قطعا على وجه لا يرتاب فيه، ويؤيده أنه يقبل القسمة إلى الأقسام كلها، ومورد القسمة يجب اشتراكه بين الأقسام، فإذا علق حكم بالوجوب وجبت أجزاؤه على الماهية الكلية، أعني مفهوم الوجوب المضاف إلى الجمعة مطلقا، ولا يجوز حمله بعض الأفراد دون بعض إلا بدليل يدل عليه، وبدون ذلك يمتنع شرعا، فمن عمد إلى ما نقله الأصحاب من الاجماع الذي حكيناه وحمله على فرد مخصوص من أفراد الوجوب - والحال ما قدمناه - كان كمن حمل قوله عليه السلام: " مفتاح الصلاة الطهور " (1) على الصلاة الواجبة أو اليومية مثلا، لأنها أشيع وأكثر دورانا على لسان أهل الشرع، وكفاه بذلك عارا وافتراء.
ويزيد ذلك بيانا أن أجلة الأصحاب صرحوا في كتبهم بكون الفقيه الجامع