العموم حجة كما تقرر في الأصول.
فإن قيل: العموم في ما ادعيته غير مراد قطعا، لتناول ظاهره ما ثبت تحريمه، فتنتفي دلالته.
قلنا: ما ثبت فيه التحريم يخص من العموم ويبقى ما عداه على حكمه، فإن العام المخصوص حجة في الباقي.
فإن قيل: يخص العموم في المتنازع فيه أيضا.
قلنا: التخصيص بغير دليل باطل، ولا دليل سوى القياس على ما ثبت فيه التحريم من المحرمات بالرضاع، ولا يجوز التمسك به فضلا عن أن يخص به عموم الكتاب.
الثالث: قوله تعالى: " وأحل لكم ما وراء ذلك " (1) بعد تعداد المحرمات المذكورة في الآية، وذلك نص في الباب، ودلالته على المطلوب أظهر، فإن المعنى والله أعلم: وأحل لكم ما عدا تلك المحرمات المذكورة قبل هذه. ومعلوم أن شيئا من المتنازع فيهن ليس عين شئ من المحرمات المذكورة في الآية، ولا داخلا في مفهومه، ولا يدل عليه بوجه من الوجوه المعتبرة في الدلالة، فإذا عدد الحكم أنواعا وخصها بالتحريم، ثم أحل ما سواها امتنع عدم الحل في غير المذكورات وإلا لكان من مغريا بالقبيح.
فإن قلت: قد ثبت التحريم في البعض من غير المذكورات، كالمطلقة تسعا للعدة، والمعقود عليها في العدة مع العلم والدخول، وغير ذلك.
قلنا: إنما يثبت المنع ويلزم المحذور لو لم يكن هناك معارض ينتهض مخصصا لكتاب الله، أما معه فلا محذور، ولا شئ مما ادعى تحريمه خارجا عن المذكور في الآية بثابت فيه التحريم إلا وله شاهد يتمسك بمثله ويصلح لتخصيص الكتاب.