فإن قيل: جاز أن يكون المراد بالوجوب المشروط بالإمام هو العيني، فإذا انتفى لانتفاء الشرط لم يلزم انتفاء الوجوب التخييري.
قلنا: لا يلزم انتفاؤه إذا ثبت إلا أنه لا مثبت له حينئذ، لأن الوجوب العيني إذا جعلت دلائل وجوب الجمعة من الآية والحديث مقصورة عليه لم يكن على ما سواه دليل.
فإن قيل: يمكن أن يراد بالآية والحديث الوجوب العيني في حال ظهور الإمام، والتخييري في حال غيبته.
قلنا: يمتنع فهم ذلك من اللفظ وبقبح إرادته منه، ومع ذلك فمجرد إمكان إرادته عقلا لا يقتضي إرادته.
وأقصى ما يقال في تفسير الآية: إن الأمر إما أن يكون الوجوب العيني، أو الوجوب في الجملة أعم منه ومن التخييري، ولما دل الاجماع على نفي العيني زمان الغيبة امتنع حمل الآية عليه، وتعين الحمل على الوجوب في الجملة.
وأيضا فإن بناء القول بالمنع من الجمعة حال الغيبة على كون الإذن مطلقا - وإن لم يكن على وجه خاص - شرط الصحة لا يستقيم، لأن هذا البناء يقتضي الجواز حال الغيبة، وقد عرفت أن الفقيه المأمون الجامع للشرائط مأذون له بوجه كلي، وكيف يبني الشئ على ما ينافيه؟ هذا إذا أريد المعنى الأول.
وإن أريد الثاني - أعني الإذن الخاص - صح البناء، لأنه إذا ثبت كونه شرطا للصحة لزم نفيها حال الغيبة لا محالة، وإن كان شرط الوجوب لا يلزم نفيها حالتئذ، لأن الوجوب المشروط بالإذن الخاص إنما هو العيني اتفاقا، وشرط الصحة في تلك الحالة وهو الإذن في الجملة متحقق، والظاهر أن هذا هو المراد، بل كاد يكون قطعيا، لأن بناء الشئ على ما ينافيه في كلام شيخنا الشهيد مع كمال تحققه ودقة نظره من أبعد الأشياء.