وليتنبه المقتحم لجة الهلكة بالتوثب على هذه المنزلة أنه قائل على الله، فأما مع كمال البصيرة واليقين، وأما من الافتراء عليه سبحانه [فهو] في خسران مبين بدليل قوله تعالى: " قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون " (1).
وتعلل ذوي الأوهام الفاسدة بقول أكثر العلماء بجواز تجزؤ الاجتهاد كتعلل العليل بما لا يشفيه، فإن المراد بتجزؤ الاجتهاد: القدرة على الاستنباط بالملكة المذكورة في بعض أبواب الفقه ومسائله دون بعض، بعد العلم بالأمور المذكورة كلها على الوجه المعتبر - إن أمكن وقوع هذا الفرض - إلى أن يسمع أو يرى من يفهم كلام العلماء دليل مسألة فيحسن من نفسه رجحانه والاذعان إلى قبوله، فإن ذلك مشترك بين هؤلاء وبين كثير من صلحاء عجائز أهل الاسلام مع تحاشهن عن التلوث بالجرأة على الله إلى هذا المقام وإلى هذه الأمور المذكورة كلها وقعت الإشارة بقوله عليه السلام: " وروى حديثنا وعرف أحكامنا "، فإن معرفة الأحكام بدون ذلك ممتنع، ويستفاد منه أن وصف النيابة لا يثبت للمتجزئ فإن الإضافة في الجميع تفيد العموم، والمراد معرفتها باعتبار التهيؤ والاستعداد القريب.
الثالث عشر: أن يكون حافظا، بحيث لا يغلب عليه النسيان فيختل تصرفه في الصناعة لتعذر درك الأحكام حينئذ، وليس المراد عدم عرض النسيان كما هو ظاهر فإن السهو كالطبيعة الثابتة للإنسان، وما أحسن ما قيل: أول ناس أول الناس.
وها هنا نجس عنان اليراعة حامدين الله سبحانه، مصلين على حبيبه وصفوته محمد وأطايب عترته، ومن وقف على ما أفدناه في هذه المسألة المهمة، فليتنبه إلى ما أودعناه في مطاوي عبارتها من الفوائد العلمية والنصائح الدينية، وليجعل محط نظره في مطالعتها وملاحظتها، بل في جميع حالاته هو قصد وجه الله العظيم،