والفرض أن المتنازع لا شاهد له أصلا ورأسا، فمن ادعى شيئا فعليه البيان.
الرابع: الاجماع، فإن جميع العلماء ممن نقلت أقوالهم واشتهرت مصنفاتهم عدو المحرمات في النكاح وأباحوا نكاح ما سواها، ولم يعد أحد منهم شيئا من المتنازع في جملة المحرمات، بل ولا ينقل عن أحد من الأثبات الذين يرجع إلى أقوالهم ويعول على أمثالهم، بل في عبارة بعضهم ما يدل على المدعى، وسنشير إليه في موضعه. فمن ادعى التحريم في شئ من ذلك احتاج مع إقامة الدليل إلى سلف يوافقه، حذرا من أن يكون خارقا للاجماع.
فإن قيل: هذا الاجماع الذي ادعيته لو ثبت لكان إجماعا سكوتيا، وهو غير حجة عند المحققين كما تقرر في الأصول.
قلنا: الاجماع السكوتي حقيقته أن يفتي واحد من أهل العصر بحضرة الباقين فلا يصرحون بوفاته ولا يردون فتواه. ولا كذلك محل النزاع، لأن الفقهاء لما عقدوا للمحرمات في النكاح بابا واستوفوا أقسامهن فيه، وتحرزوا أن لا يدعوا من أقسام المحرمات شيئا إلا ذكروه، كان ذلك جاريا مجرى التصريح بحل ما سواهن، وهذا حقيقي لا سكوتي.
فإن قيل: قد ذكرت في ما سبق نسبة القول بذلك إلى الشهيد رحمه الله، فقد ثبت القائل بالتحريم، فحصل السلف واندفع المحذور.
قلنا: هذه النسبة غير ثابتة عندنا، فإنا لم نجدها في مصنف منسوب إليه رحمه الله، ولا سمعناها ممن يركن إلى قوله سماعا يوثق بمثله ويستند إليه، وإنما كنا نجدها مكتبة في ظهر بعض كتب الفقه مستندة إليه، وفي خلال المحاورة كنا نسمعها من بعض الطلبة الذين عاصرناهم، وهؤلاء أيضا لو طولبوا باسناد في ذلك تسكن النفس إلى مثله لم يجدوا إليه سبيلا. ومثل هذا لا يشفي غلة، ولا يقطع علة.
وقد رأيت في عصري كثيرا من الحواشي والقيود منسوبة إليه رحمه الله وأنا