الثاني عشر: أن له نفسا قدسية وملكة نفسانية يقتدر معها على اقتناص الفروع من الأصول، ورد الجزئيات إلى قواعدها، وتقوية القوي، وتضعيف الضعيف، والترجيع في موضع التعارض، فلا يكفي العلم بالأمور السالفة بدون الملكة المذكورة، وكذا لا يكفي الاطلاع على استدلال الفقهاء وفهم كلامهم من دون أن يكون موصوفا بما ذكرنا، بحيث ينفق مما آتاه الله ولا يكون كلا على من سواه.
ولا بد في ذلك من ممارسة أهل الصنعة، واقتباس التدرب في ذلك منهم، وظهور الاستقامة على صفحات أحواله بينهم على وجه لا يكاد يدفع، فلا يجوز لمن يخاف عذاب الآخرة وتتلون وجنتاه بالحياء أن يقدم على القول على الله ورسوله وأئمته صلوات الله عليه وعليهم لمجرد اعتقاده في نفسه فهم المراد، وظنه سلوك نهج السداد، ومطالعة عبارات الأولين، فإن خياطة ثوب واصلاح طعام مع كونه من الأمور الحسية لا يتم بدون التوفيق، فما ظنك بالشريعة المطهرة التي قرع نبينا وإمامنا صلوات الله عليهما وآلهما لأجلها رؤوس جماجم قريش، وأضرب عن كونهم واسطة قلادة الرحم، والمتحرمين بحرمة ذلك الحرم.
ومن خفي عليه ما قلناه فليستمع إلى قوله عليه السلام: " خذ العلم من أفواه الرجال " (1)، وقوله عليه السلام: " لا يغرنكم الصحفيون " (2) أي: الذين يأخذون علمهم من الصحف والدفاتر.