الباب الأول في المقدمات، وهي ثلاثة:
الأولى:
اختلف علماء الأصول في أن الوجوب إذا رفع هل يبقى الجواز أم لا؟ وتحرير محل النزاع: أنه إذا ثبت الوجوب بدليل شرعي في محل، ثم رفع بدليل آخر عن ذلك المحل هل يبقى الجواز ثابتا فيه، حيث أن الدليل الدال على الوجوب دل على شيئين: الوجوب، والجواز، والدليل الرافع له إنما يرفع الوجوب خاصة؟ بكل من القولين قال جمع من العلماء:
أما القائلون ببقاء الجواز (1) فاحتجوا بأن المقتضي للجواز موجود، والمانع منه منتف فوجب القول بتحققه.
أما الأول: فلأن الأمر الدال على الوجوب متحقق، لأنه المفروض، والوجوب ماهية مركبة من الإذن في الفعل والمنع من الترك، فيكون مقتضيا لهما ضرورة كون المقتضي للمركب مقتضيا لكل جزء من أجزائه، لامتناع تحقق المركب من دون تحقق الاجزاء.
وأما الثاني: فلأن الموانع كلها منتفية بحكم الأصل، ما عدا رفع الوجوب وهو غير صالح للمانعية، لأنه إنما يقتضي رفع الوجوب الذي قد علمت تركبه من الجزأين، ورفع المركب قد يكون برفع جميع الأجزاء، وقد يكون برفع أحدها، فهو أعم من كل منها، والعام لا يدل على خاص معين، فإذا لا دلالة لرفع الوجوب