بحيطتهم على ولاة أمورهم، وقلة استثقال دولهم، وترك استبطاء انقطاع مدتهم، فافسح في آمالهم، وواصل من حسن الثناء عليهم، وتعديل ما ابلى ذووا البلاء منهم، فان كثرة الذكر لحسن فعالهم، تحض الشجاع وتحرض الناكل، إن شاء الله.
ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، ولا تضمن (٩٧) بلاء امرئ إلى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما، واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك (٩٨) من الخطوب، ويشتبه عليك من الأمور، فقد قال الله سبحانه لقوم أحب ارشادهم: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول﴾ (99) فالرد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه، والرد إلى الرسول الاخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.
ثم اختر للحكم بين الناس، أفضل رعيتك في نفسك، ممن لا تضيق به الأمور، ولا يمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفئ إلى الحق إذا عرفه، ولا يشرف نفسه إلى طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، أوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه اطراء، ولا يستميله اغراء، وأولئك قليل، ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيح علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، واعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا، فإن هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى وتطلب فيه الدنيا.