فان العمران يحتمل ما حملته، وإنما يؤتى خراب الأرض من اعواز أهلها، وإنما يعوز أهلها لاشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر.
ثم انظر في حال كتابك، فول على أمورك خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك واسرارك، بأجمعهم لوجوده صالح الأخلاق، ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك، في خلاف لك، بحضرة ملا، ولا يقصر به الغفلة عن ايراد مكاتبات عمالك عليك، وأصدر جواباتها على الصواب عنك، وفيما يأخذ لك ويعطي منك، ولا يضعف عقدا اعتقده لك، ولا يعجز عن اطلاق ما عقد لك، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور، فان الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل، ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك، فان الرجال يتعرضون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شئ، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة اثرا، واعرفهم بالأمانة وجها، فان ذلك دليل على نصيحتك لله، ولمن وليت امره، واجعل لرأس كل امر من أمورك رأسا منهم، لا يقهره كبيرها، ولا يشتت عليه كثيرها، ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته.
ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات، وأوص بهم خيرا، المقيم منهم ببدنه، والمضطرب بماله، والمترفق بيديه، فإنهم مواد المنافع، وأسباب المرافق، وجلابها عن المباعد والمطارح، في برك وبحرك، وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها، ولا يجترؤون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته وصلح لا تخشى غائلته، وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك، واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، وشحا قبيحا، واحتكارا للمنافع، وتحكما في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار، فان رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه، وليكن البيع بيعا سمحا، بموازين