فان الله يسمع دعوة كل مظلوم، وان الله عدو للظالمين، ومن عاداه الله فهو رهين بالهلكة في الدنيا والآخرة، وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأجمعها لطاعة الرب، ورضى العامة، فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وان سخط الخاصة يحتمل رضى العامة، وليس أحد من الرعية أشد على الوالي في الرضا مؤونة، وأقل على البلاء معونة، وأشد بغضا للانصاف، وأكثر سؤالا بالحاف (26) وأقل مع ذلك عند العطاء شكرا، وعند الابطاء عذرا، وعند الملمات من الأمور صبرا من الخاصة، وإنما اجتماع امر الولاة ويد السلطان وغيظ العدو العامة، فليكن صفوك لهم ما أطاعوك واتبعوا امرك دون غيرهم، وليكن أبغض رعيتك إليك أكثرهم كشفا لمعائب الناس، فان في الناس معائب أنت أحق من تغمدها، وكره كشف ما غاب منها، وإنما عليك احكام ما ظهر لك، والله يحكم في ما غاب عنك، اكره للناس ما تكره لنفسك، واستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره، وأطلق عن الناس عقد كل حقد، واقطع عنهم سبب كل وتر، ولا تركبن شبهة، ولا تعجلن إلى تصديق ساع، فان الساعي غاش وان قال قول النصيح، ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يقصر عن الفضل غايته، ولا حريصا يعدك فقرا ويزين لك شرها، ولا جبانا يضيق عليك الأمور، فان البخل والجبن والحرص، غريزة واحدة يجمعها سوء الظن بالله.
واعلم: ان شر دخائلك (27) وشر وزرائك من كان للأشرار دخيلا ووزيرا، ممن شركهم في الآثام، وأقام لهم كل مقام، فلا تدخلن أولئك في أمرك، ولا تشركهم في دولتك كما شركوا في دولة غيرك، ولا يعجبك شاهد ما يحضرونك به، فإنهم اخوان الظلمة، وأعوان الآثمة، وذئاب كل طمع، وأنت تجد في الناس خلفا منهم، ممن له معرفة أفضل من معرفتهم، ونصح أعلى من نصحهم، ممن قد تصفح الأمور فأبصر مساوئها، واهتم بما جرى عليه منها، ممن هو أخف عليك مؤونة وأحسن لك معونة، وأشد عليك عطفا وأقل لغيرك ألفا،