فان حقه لن يزداد عليك الا عظما، ولا تكونن كأنك بما أحدث الله لك من الكرامة، ترى أنه اسقط عنك شيئا من فرائضه، وانك استحققت عليه وضع الصعاب عنك، فتنهمك في بحور الشهوات، فإنك ان تفعل (همدت وزر) (3) ذلك على قلبك، وتذمم عواقب ما فاتك من امرك، فاعرف قدرك وما أنت إليه صائر، واذكر ذلك حق ذكره، وأشعر قلبك الاهتمام به، فإنه من اهتم بشئ أكثر ذكره، وأكثر التفكر فيما تصنع، وفي من يشاركك فيما تجمع، فإنك لست مجاوزا في غاية المنتهى أجل بعض أخدانك (4)، والساعة تأتي من ورائك، وليس الذي تبلغ به قضاء ما يحق عليك بقاطع عنك شيئا من لذاتك التي تحل لك ما لم تجاوز في ذلك قصد مال يكفيك، إلى فضول ما لا يصل من نفعه إليك، الا ما أنت عليه في غاية من الغناء، فتحمل بنفسك ما ليس غايتك منه الا حظ عينك، وما وراء ذلك منفعة لغيرك، فيقصر في ذلك أملك، وليعظم من عواقبه وجلك ".
ذكر ما فيه موعظة الأمير لمن كان قبله:
انظر أيها الملك (5) المملوك، أين آباؤك وأين الملوك من أعدائك؟ الذين أكلوا الدنيا منذ كانت، فإنما تأكل ما أسأروا (6)، وتدير ما أداروا، وأين كنوزهم التي جمعوا؟ وأجسادهم التي نعموا؟ وأبناؤهم الذين كرموا؟ هل ترى أقل منهم عقبا؟ واخمد (7) منهم ذاكرا؟ واذكر ما كنت تأمل من الاحسان ان أحسن الله إليك، ولا يغلبنك هواك على حظك، ولا تحملنك رقتك على الولد على أن تجمع لهم ما لا يحول دون شئ قضاه الله عليهم، وأراد بلوغه فيهم، فتهلك نفسك