شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل مالا أحصى وإني أظنك ستغتال فعلمني مما علمك الله، قال: نعم يا شيخ: من اعتدل يوماه فهو مغبون (1) ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها، ومن كان غده شر يوميه فهو محروم، ومن لم يبال بمارزى (2) من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى، ومن كان في نقص فالموت خير له، يا شيخ: ارض للناس ما ترضى لنفسك، وائت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك، ثم أقبل على أصحابه فقال: أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى فبين صريع يتلوى (3)، وبين عائد ومعود (4) وآخر بنفسه يجود، وآخر لا يرجى، وآخر مسجى (5) وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي يصير الباقي (6).
فقال له زيد بن صوحان العبدي: يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى؟
قال: الهوى، قال: فأي ذل أذل؟ قال: الحرص على الدنيا، قال: فأي فقر أشد؟
قال: الكفر بعد الايمان، قال: فأي دعوة أضل؟ قال: الداعي بما لا يكون، (7)