نتغدى بها اليوم، حملناه على رؤوس النعم لأجل القرينة وشاهد الحال، وليس كذلك إذا حلف الانسان وأطلق كلامه عن القرائن والبيان أنه لا يأكل الرؤوس فأكل رؤوس الغزلان وحمر الوحش والخنازير يقول: لا يحنث وقد فعل ما حلف عليه أنه لا يفعله حقيقة بلا خلاف بين أهل اللسان والعقلاء والعلماء أن تلك تسمى رؤوسا بلا إشكال.
وأما ما يخص بالعرف الشرعي فكلما كان له اسم في اللغة واختص بالشرع إلى غير ما وضع له في اللغة حمل إطلاقه على الشرع، كالصيام هو في اللغة عام في الإمساك عن كل شئ، وهو في الشرع إمساك عن أشياء مخصوصة، فحملنا المطلق على الشرعي، وفي هذا المعنى الصلاة في اللغة الدعاء وفي الشرع هذه الأفعال المخصوصة، فانطلقت على الشرعية فحملنا المطلق من الكلام على عرف الشرع لأنه الطارئ، فإذا حلف: لا كلمت الناس، فهذا عام في كل أحد فإذا كلم واحدا حنث لأنه تعلق بالجنس.
إذا حلف: لا ذقت شيئا، فأخذه بفيه ومضغه ورمى به ولم يبتلع منه شيئا حنث، لأن الذوق عبارة عن معرفة طعم الشئ وهذا قد عرف طعمه قبل أن يبتلعه.
قال شيخنا في مسائل خلافه: إذا حلف: لا وهبت له، فإن الهبة عبارة عن كل عين يملكه إياها متبرعا بها بغير عوض فإن وهب له أو أهدي له أو نحله أو أعمره أو تصدق عليه بصدقة تطوع حنث.
قال محمد بن إدريس تغمده الله برحمته مصنف هذا الكتاب: أما قوله رحمه الله وحده بأن: الهبة عبارة عن كل عين يملكه إياها متبرعا بغير عوض، فغير واضح لأن الوقف كذلك ولا يسمى هبة بغير خلاف، وصدقة التطوع عندنا لا تسمى هبة بل بينها وبين الهبة فرق كثير، لأن صدقة التطوع بعد القبض لا يجوز الرجوع فيها والهبة يجوز الرجوع فيها فلا يحنث بصدقة التطوع لأنه ما وهب.
إذا حلف: لا أكلت هذه الحنطة أو من هذه الحنطة، وأشار إلى حنطة بعينها ثم طحنها دقيقا وأكلها لم يحنث، وكذلك إذا حلف: لا أكلت هذا الدقيق، فخبزه ثم أكله لم يحنث.
ذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه إلى أنه: إذا حلف: لا وهبت عبدي، ثم وهبه