وقوله: أوفوا بالعقود، أمرهم بالإتمام بالوفاء لما لزمهم، والعقود هي التي يتعاقدها الناس بينهم أو يعقدها المرء على نفسه كعقد الأيمان وعقد النكاح وعقد الشركة وعقد البيع وعقد العهد وعقد الحلف، وقال بعض المفسرين: أراد الوفاء بالنذور فيما يجوز الوفاء به، أي أوفوا بالعقود الصحيحة لأنه لا يلزم أحدا أن يفي بعقد فاسد، كالنذر في قتل مؤمن ظلما وغصب ماله.
وقيل في قوله تعالى: ولا تتبعوا خطوات الشيطان، هي النذور في المعاصي، وقوله " يوفون بالنذر " الوفاء بالنذر هو أن يفعل ما نذر عليه، وقد ذكرنا أن النذر عقد على فعل على وجه البر بوقوع أمر يخاف أن لا يقع، وكفارة النذر مثل كفارة الظهار، فإن لم يقدر كان عليه كفارة اليمين والمعنى به أنه إذا فات الوقت الذي نذر فيه صار بمنزلة الحنث.
باب أقسام العهد:
قال الله تعالى: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم اعلم أن من عاهد الله أن يفعل واجبا أو ندبا أو ما يكون به مطيعا وجب عليه الوفاء به، فإن لم يفعل كان عليه الكفارة، وكذلك إن عاهد على أن لا يفعل قبيحا أو لا يترك واجبا أو ندبا ثم فعل القبيح أو ترك الطاعة وجب عليه أيضا الكفارة.
أمر الله تعالى عباده بأن يفوا بعهده إذا عاهدوا عليه وكذلك قوله: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا، أي مسؤولا عنه للجزاء عليه فحذف عنه لأنه مفهوم، والآية أمر منه تعالى بالوفاء بالعهود التي تحسن، ومتى عقد عاقد على ما لا يجوز نقض ذلك العقد الفاسد.
وقد يجب الشئ للنذر والعهد والوعد به، وإنما يجب عند العقد والعهد الذي يجب الوفاء به هو كل فعل حسن إذا عقد عليه وعاهد الله ليفعلنه بالعزم عليه فإنه يصير واجبا عليه ولا يجوز له خلافه كما ذكرناه، فأما إذا رأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير فلا كفارة عليه، وهذا يجوز فيما كان ينبغي أن يشرط، فأما إذا أطلقه وهو لا يأمن أن يكون غيره خيرا فقد أساء بإطلاق العقد عليه.