ثم قال: ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وهذا نهي منه تعالى عن حنث الأيمان بعد عقدها وتوكيدها، وفي الآية دلالة على أن اليمين على المعصية غير منعقدة لأنها لو كانت منعقدة لما جاز نقضها، وأجمعوا على أنه يجب نقضها ولا يجوز الوفاء به.
وقد مدح الله المؤمنين فقال: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، أي محافظون ما يعاهدون عليه، والمراعاة قيام الداعي بإصلاح ما يتولاه. وقال تعالى: ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل، وقال: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن، وإنما صح أن يعاهد الله من لا يعرفه لأنه إذا وصفه بأخص صفاته جاز أن يعرف عهده إليه فلذلك جاز أن يكون غير عارف، وقال تعالى: وبعهد الله أوفوا.
باب الكفارات:
أما كفارة اليمين فقد قال الله تعالى: فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، أي الثلاثة التي هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فعل فقد أجزأ مخير فيها، فمتى عجز عن جميعها كان عليه صيام ثلاثة أيام متتابعات.
وعن محمد بن مسلم سألت أبا جعفر ع عن قوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، قال: ثوب، وعن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا الجمع لإنسان واحد يعطاه؟ قال: لا ولكن يعطي إنسانا إنسانا كما قال الله تعالى. قلت:
يعطيها الرجل قرابته إذا كانوا محتاجين؟ قال: نعم.
وفي قوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم، قال أبو عبد الله ع: هو كما يكون في البيت من يأكل أكثر من مد ومنهم من يأكل أقل من مد فبين ذلك، وإن شئت جعلت لهم أدما، والأدم أدناه الملح وأوسطه الخل والزيت وأرفعه اللحم.
والكفارة فعالة من الكفر وهو الستر والتغطية، أي الذي يستر هذا الذنب وهو الحنث في اليمين المعقود عليها حتى يزول عنه العقاب، والضمير في قوله: فكفارته، يعود إلى الذنب بالحنث بأنه مدلول عنه، وقال أبو علي الفارسي: أي كفارة ما عقدتم عليه لأن الكفارة