وقوله تعالى: عقدتم، وعقدتم، بالتخفيف والتشديد المراد به تأكيد الأيمان حتى يكون بمنزلة العقد المؤكد، أو يكون المراد أنكم عقدتموها على شئ خلافا لليمين اللغو التي ليست معقودة على شئ لأن الفقهاء يسمون اليمين على المستقبل يمينا معقودة، وهي التي يتأتى فيها البر والحنث ويجب فيها الكفارة.
واليمين على الماضي عندهم ضربان: لغو وغموس، فاللغو كقول القائل: والله ما فعلت كذا، في شئ يظن أنه لم يفعله أو: والله لقد فعلت كذا، في شئ يظن أنه فعله، فهذه اليمين لا مؤاخذة فيها. وأما الغموس فهي اليمين على الماضي إذا وقعت كذبا كقول القائل: والله ما فعلت، وهو يعلم أنه قد فعله، فهذه اليمين كفارتها الاستغفار بشرطه لا غير.
باب في أقسام الأيمان وأحكامها:
لما بين سبحانه أنه لا يؤاخذ على لغو اليمين بين بعده بقوله: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان، أنه يؤاخذ بما عقد عليه قلبه ونوى، وقرئ " عاقدتم " و " عقدتم " بلا ألف مع تخفيف القاف وتشديدها، ومنع الطبري من القراءة بالتشديد، قال: لأنه لا يكون إلا مع تكرير اليمين والمؤاخذة تلزم من غير تكرير بلا خلاف، وهذا غير صحيح لأن تعقيد اليمين أن يعقدها بقلبه ولفظه، ولو عقد عليها في أحدهما دون الآخر لم يكن تعقيدا وهو كالتعظيم الذي يكون تارة بالمضاعفة وتارة بعظم المنزلة.
قال أبو علي الفارسي: من شدد احتمل أمرين: أحدهما أن يكون لتكثير الفعل، بقوله تعالى: ولكن يؤاخذكم، مخاطب للكثرة، فهو مثل: وغلقت الأبواب، والآخر أن يكون عقد مثل ضعف لأنه أراد به التكثير، كما أن ضاعف قد لا يراد به فعل من اثنين وإن كان أصله بين الاثنين، وقال الحسن بن علي المغربي: في التشديد فائدة وهي أنه إذا كرر اليمين على محلوف واحد فإذا حنث لم يلزمه إلا كفارة واحدة، وفي ذلك بين الفقهاء خلاف والذي ذكره قوي، ومن قرأ بالتخفيف جاز أن يريد به الكثير من الفعل والقليل.
و " عاقدتم " يراد به عقدتم كما يقال عافاه الله، ويحتمل أن يكون يقتضي فاعلين كأنه