قال محمد بن إدريس رحمة الله عليه: أيمان البيعة - بفتح الباء - وهي إما حقيقة البيعة التي كانت على عهد رسول الله ص من المصافحة وبعده إلى أيام الحجاج، أو ما حدث في أيام الحجاج من اليمين بالطلاق والعتق وغير ذلك سواء صرح بذلك أو نواه وعلى كل حال، فلا يظن ظان أنها بكسر الباء وأنها بيعة النصارى، وإنما يشتبه ذلك على كثير من الناس لانضمام الكنيسة إليها وذلك غلط ووهم عظيم، فأما الكنيسة لم يوردها أحد من أصحابنا في كتاب له ولا ورد بذلك خبر في كتب الأخبار، وشيخنا مصنف النهاية لم يوردها في غير النهاية من سائر كتبه ولا كتبه الأخبارية ولا غيرها، ولا أدري إلى أي شئ أنسب ذلك لأنه لا أيمان للبيعة والكنيسة ولا فيهما أيمان يخلف بها.
وقال رحمه الله في مسائل خلافه في الجزء الثالث في آخر كتاب النذور مسألة: إذا قال: أيمان البيعة لازمة، لي أو أحلف بأيمان البيعة لا دخلت الدار، لم يلزمه شيئا ولم يكن يمينا سواء عني بذلك حقيقة البيعة التي كانت على عهد رسول الله ص من المصافحة وبعده إلى أيام الحجاج، أو ما حدث في أيام الحجاج من اليمين بالطلاق والعتق وغير ذلك سواء صرح بذلك أو نواه وعلى كل حال، وقال الشافعي: إن لم ينو شيئا كان لاغيا وإن نوى أيمان الحجاج ونطق فقال: أيمان البيعة لازمة لي بطلاقها وعتقها، انعقدت يمينه به لأنه حلف بالطلاق، وإن لم ينطق بذلك ونوى الطلاق والعتق انعقدت يمينه أيضا لأنها كناية عن الطلاق والعتق، دليلنا أن الأصل براءة الذمة، وانعقاد ذلك يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة فإنهم مجمعون على أن اليمين بالطلاق والعتاق باطلة، فهذا لو كان صريحا بها لبطل ما قلناه، هذا آخر كلامه رحمه الله فدل ذلك أنه ما أراد في نهايته بيعة النصارى وفي نهايته أورد الكنيسة.
إذا حلف: والله لا أكلت طيبا ولا لبست ناعما، كانت هذه يمين مكروهة والمقام عليها مكروه وحلها طاعة لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم، ثم قال تعالى: وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا، ثم قال تعالي: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وقال تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك.