القاضي الأول بعلمه بحجة أنه هو لا علم له ذلك؟ والمقاييس الأخرى تعطي الحق لهذا المحكوم عليه، أو لا يحق له بذلك؟ مقتضى ما أشرنا إليه من الارتكاز والمقبولة هو أنه لا يحق له ذلك.
إلا أن المحقق العراقي (رحمه الله) ذكر (1): أنه - إن لم يثبت إجماع في المقام - فبالإمكان دعوى الفرق بين علم القاضي وباقي مقاييس القضاء كالبينة، وذلك بأن يقال: إن البينة التي حكم بها القاضي الأول هي حجة للقاضي الثاني أيضا، فلا مبرر لنقض القاضي الثاني ما حكم به القاضي الأول وفق البينة، ومع الشك في صحة عمل القاضي الأول تجري أصالة الصحة، وهذا بخلاف علم القاضي، فإن العلم إنما يكون حجة للقاضي الذي حصل له ذاك العلم، وليس حجة لقاض آخر، فبإمكان القاضي الآخر أن يحكم على خلاف حكم القاضي الأول، لأن المقياس له هو البينة، وليس علم القاضي الأول مقياسا له.
أقول: لو تم هذا الكلام لا يثبت بذلك كون حكم الثاني هو النافذ، فهذان حكمان تعارضا، وكلاهما يكونان وفق المقاييس الشرعية.
والواقع أن التفصيل بين الحكم وفق علم القاضي بعد فرض حجيته له في القضاء، وسائر مقاييس القضاء بإمكان استئناف المرافعة واستحصال حكم جديد في الأول دون الثاني غير صحيح، وذلك لأنه صحيح أن البينة التي حكم بها القاضي الأول حجة حتى لدى القاضي الثاني، فلا مبرر لمرافعة جديدة، أو لنقض الحكم مع جريان أصالة الصحة في فعل القاضي الأول، لكن يبقى في المقام فرض استئناف عامل جديد بعد حكم القاضي الأول له دخل في مقاييس القضاء، كأن يحصل المنكر بعد الحكم على بينة معارضة لبينة المدعي ومسقطة لها عن الحجية، فهل يوجد