ولكن بالإمكان في خصوص عدم خضوع المنكر لحكم القاضي بحجة خطئه في التطبيق أن يقال: إن الارتكاز العقلائي يحكم بأن تشريع كبرى القضاء يقترن بتشريع وجوب الاستسلام من قبل المحكوم عليه حتى في المورد الذي يناقش المحكوم عليه في مشروعية صغرى من صغريات القضاء لفرضه للخطأ في التطبيق، وإلا لزم الهرج في باب القضاء، لأن المحكوم عليه سيدعي في كثير من الأحيان خطأ القاضي في التطبيق، ولم يرد ردع عن هذا الارتكاز، إذن فلا يجوز للمحكوم عليه عدم الاستسلام بأن يعارض المحكوم له، ولا يسلم له الحق.
نعم، هذا لا يعني عدم جواز سعيه في إثبات خطأ القاضي، فهو يبقى مستسلما للنتيجة قبل إثباته لخطأ القاضي، فإذا أثبت خطأه بحيث اقتنع نفس القاضي بالخطأ في التطبيق، فلا دليل على نفوذ هذا القضاء الخاطئ، ومقتضى القاعدة هو استئناف القضاء، لأن المقبولة والارتكاز بتقريبه السابق - كما قلنا - لا يأتيان هنا.
وإذا أثبت خطأه لدى قاض آخر بإقامة دليل يقنع بطبعه القاضي الأول أيضا لو عرض عليه، كما لو اعتمد القاضي الأول في عدالة البينة على حسن الظاهر بينما هذا أقام الشهود على فسقها، أو اعتمد القاضي الأول على تزكية البينة ببينة شهدت بعدالتها بينما هذا أثبت أن هذه البينة المزكية معارضة ببينة جارحة، فالقاضي الثاني ينقض حكم القاضي الأول، فإن حاله حال القاضي الأول الذي لو كان لكان ينقض حكم نفسه.
أما إذا أثبت خطأه لدى قاض آخر بإقناع شخصي له بحيث قد لا يقتنع القاضي الأول بذلك، أو كان الخلاف بين القاضيين في مقاييس العدالة مثلا، فهذا يلحق حكما بما سيأتي من القسم الثالث - إن شاء الله - القسم الثاني - الخطأ الضروري في الكبرى، كما لو اعتقد القاضي خطأ أن البينة على من أنكر واليمين على المدعي فحكم على هذا الأساس، ولا إشكال في عدم