الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٤ - الصفحة ٤٥٤
لان الجسم موجود بل لأنه ناقص الوجود مصحوب بالشرور والاعدام والاستحالات وكذا سائر الصفات السلبية والواجب تعالى وجود بلا عدم وكمال بلا نقص و فتور وخير محض بلا تغير وزوال وإذا ثبت ان كل ذات مجرده فإنها يصح أن تكون معقولة وجب عليها صحه كونها عاقلة لأنها إذا صح كون ذلك المجرد معقولا لنا صح كونه معقولا لنا مع شئ آخر (1) وقد عرفت ان كون شئ معقولا هو حصول صوره مساوية لذلك المعقول للعاقل فإذا عقلنا ذاتا مجرده وعقلنا معها شيئا آخر فقد قارنت صورتاهما فصحه تلك المقارنة اما أن تكون من لوازم ماهيتهما أو يتوقف على حصولهما في الجوهر العاقل لكن القسم الثاني باطل و ذلك لأنه لو توقفت تلك الصحة على حصولهما في الجوهر العاقل وحصولهما في الجوهر العاقل نفس مقارنتهما فيلزم ان يتوقف صحه مقارنتهما على حصول مقارنتهما فيكون صحه الشئ متوقفة على وجوده وذلك محال لان امكان وجود الشئ الممكن قد يجوز ان يكون سابقا على وجوده واما العكس فهو ممتنع البتة فقد ظهر ان امكان تلك المقارنة بين الصورتين المعقولتين من لوازم ماهيتهما فلو فرضنا صوره معقولة موجودة في الأعيان قائمه بذاتها فيجب ان يصح عليها مقارنه سائر الماهيات وذلك انما يكون بانطباع صورها فثبت ان كل ذات مجرده (2)

(1) لعل هذا الدليل للمشائين القائلين بان العلم بالغير منحصر في الحصولي فأرادوا اثبات العلم بالغير على وجه يبين كيفيته فجعلوا المقارن الاخر هو الصورة إذ لولاه فاثبات المقارنة المطلقة يمكن بالسهل من هذا كان يقال صحه معقولية المجرد للغير صحه مقارنته لذلك الغير أو يقال المجرد اما علة تامه واما معلول وكل منهما واجب الاقتران مع الاخر لكنه من مبادئ العلم الحضوري بالغير س ره (2) من أهم ما يجب التنبه له في باب العلم ان العلم الحصولي لا موطن له في الخارج عن ظرف علم النفوس المتعلقة بالأبدان وبعبارة أخرى الجواهر العقلية المجردة عن المادة ذاتا وفعلا لا علم حصولي لها وذلك لان حقيقة علومنا الحصولية على ما تعطيه الأصول السالفة انا نجد وجودات مجرده عقلية أو مثالية بحقيقة ما لها من الوجود الخارجي المترتب عليه آثاره وهذه علوم حضورية ثم نجد من طريق اتصالنا بالمادة ان آثار الوجود المادي لا يترتب عليها فنحسب ان ما عندنا من تلك الوجودات المجردة ذوات الآثار هي هذه الأشياء الطبيعية وجدت في أذهاننا بوجود ذهني غير ذي آثار وعند ذلك تنشأ الماهيات والمفاهيم وهي العلوم الحصولية فهذا العرض الوهمي للصور العلمية على الذوات الطبيعية المادية من طريق الاتصال بالمادة هو الذي أوجد العلوم الحصولية وأنشأ الماهيات والمفاهيم الذهنية التي لا يترتب عليها الآثار ومن هنا يظهر ان المجردات العقلية المحضة التي لا اتصال لها بالمادة البتة لا منشأ عندها لظهور الماهيات والمفاهيم ولا موطن فيها للعلوم الحصولية بل انما تنال من الأشياء نفس وجوداتها نيلا حضوريا غير سرابي فافهم ذلك ط مد.
(٤٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 ... » »»
الفهرست