مسألة واحده تعذر عليه تحقيقها وانصرف عنها بدون مطلوبه ورب انسان يكون بضد ذلك حتى أنه لو التفت ذهنه إليه أدنى لفته حصل له ذلك ثم لما كانت الدرجات متفاوتة والقلوب مختلفة صفاءا وكدورة وقوه وضعفا في الذكاء وكثرة وقلة في الحدس فلا يبعد في الطرف الأعلى وجود نفس عاليه شديده قويه الاستنارة من نور الملكوت سريعه قبول الإفاضة من منبع الخير والرحموت فمثل هذا الانسان يدرك لشدة استعداده أكثر الحقائق في أسرع زمان فيحيط علما بحقائق الأشياء من غير طلب منه وشوق بل ذهنه الثاقب يسبق إلى النتائج من غير مزاولة لحدودها الوسطى وكذلك من تلك النتائج إلى أخرى حتى يحيط بغايات المطالب الانسانية ونهايات الدرجات البشرية وتلك القوة تسمى قوه قدسية وهي في مقابله الطرف الأدنى من افراد الناس ومخالفتها لسائر النفوس بالكم والكيف اما الكم فلكونه أكثر استحضارا للحدود الوسطى واما الكيف فمن وجوه أحدها انها أسرع انتقالا من معقول إلى معقول ومن الأوائل إلى الثواني ومن المبادئ إلى الغايات وثانيها انها تدرك العقليات الصرفة من حيث إنياتها وهوياتها لا من حيث مفهوماتها وماهياتها العامة فان الوصول إلى حقائق تلك المعقولات هي العمدة في الادراك دون المعارف الكلية (1) وان كانت هي أيضا وسيله إلى ذلك الوصول إذا استحكمت ورسخت أصول معانيها في النفس ولذلك قيل المعرفة بذر المشاهدة
(٣٨٦)