الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٤ - الصفحة ٣٨٥
إلى غير النهاية (1) ولأن كل من مارس علما من العلوم وخاض فيه وداوم على مواظبته ومزاولته لا بد وان يستخرج بنفسه ما لم يسبقه إليه متقدموه واستادوه قل ذلك أو كثر فان باب الملكوت غير مسدود على أحد الا لمانع من نفسه وحجاب من غلظه طبعه فبقدر سعيه وحركه باطنه يتلطف ذهنية قلبه ومقدحه طبعه ويستعد كبريت نفسه لان ينقدح فيه شعلة من نار الملكوت أو نور من أنوار الجبروت وكيف لا وقد بينا من قبل ان الاحساس بالجزئيات سبب لاستعداد النفس لقبول التصورات الكلية وعرفت ان حصول التصورات المتناسبة سبب لحكم الذهن بثبوت أحدهما للاخر فكثيرا ما يقع للذهن التفات إلى تصور محمول بسبب الاحساس بجزئياته عند استحضار تصور موضوعه وعند ذلك يترتب عليه لا محاله الجزم بثبوت ذلك المحمول لذلك الموضوع من غير استفاده ذلك عن معلم أو رواية أو سماع من شيخ أو شهادة عدل أو تواتر فظهر ان الانسان يمكنه ان يتعلم من نفسه وكلما كان كذلك فإنه يسمى حدسا وهذا الاستعداد القريب يتفاوت في افراد الناس فرب انسان بالغ في جمود القريحة وخمود الفطنة بحيث لو أكب طول عمره على

(١) ربما يتوهم من اطلاق البيان ان المراد لزوم التسلسل فيهما في الموضوعات الغير المتناهية المتعاقبة في سلسله الزمان لاثبات المؤيد بالقوة القدسية وحينئذ يرد منع بطلان هذا التسلسل لأنه تعاقبي وهذا خبط إذ مراده لزوم التسلسل فيهما بحسب موضوع واحد بأنه إن كان جميع انتقالات الذهن في الأفكار بالتعليم لزم التسلسل وهو خلاف الواقع لان الموضوع متناهي البقاء فتصور الانسان مثلا مكتسب من تصور الحيوان و الناطق وتصورهما من تصور الجوهر القابل للابعاد والنامي الحساس والمدرك للكليات وتصورها من تصور الموجود لا في الموضوع وممكن الفرض للخطوط الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم والزائد في الأقطار على التناسب الطبيعي والمدرك للجزئيات والعالم بالكليات وهذه التصورات ان كانت بالتعليم فتصور الوجود والامكان والزيادة و الدرك والعلم بديهي فيعلمها العاقل من نفسه وهذا ما قالوا إنه لا يمكن ذهاب سلسله التصورات إلى غير النهاية س ره.
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»
الفهرست