مجرد العطف القلبي ولا يتلخص في الحنان الروحي، فإنهما أمران قلبيان خارجان عن الاختيار، فإن حب الأب أو الأم وإن كانا كافرين أمر جبلي لا يصح النهي عنه بل يرجع إلى التولي المستعقب، للتصرف في أمور المسلمين والتدخل في مصالحهم الذي ليس إلا من شأنه سبحانه ورسوله ومن عينه الرسول بأمر منه.
فالآيات بأجمعها سبيكة واحدة، تصد المؤمنين عن اتخاذ أي ولي - غير الله ورسوله - يتصرف في أمورهم وإن كان سببه التحالف فلو صار الحلف بين المسلمين والكافرين سببا لولاية الكفار على المسلمين وتدخلهم في أمورهم فهو ممنوع لأنه لا ولي للمؤمنين إلا الله ومن نصبه سبحانه.
والذي يرشدنا إلى أن الولاية في الآية: * (إنما وليكم الله ورسوله...) * بمعنى الزعامة والقيادة، هو أنه سبحانه يقول بعدها: * (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) * (1) فيطرح حزب الله أولا، ثم غلبته على سائر الأحزاب، والكل يناسب القيادة والزعامة، لا مجرد الحب والود، أو النصر والحلف.
الثاني: إن في نفس الآيات الثلاثة قرينة واضحة على الاختلاف في تفسير الولي (لو قلنا بأنه اختلاف في المفهوم)، وذلك أنه سبحانه يجمع لفظ الولي في الآية الأولى والثالثة.
فقال في الأولى: * (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) *.
وقال في الثالثة: * (والكفار أولياء) *.
ولكنه نرى أنه سبحانه أتى بها بلفظ المفرد في ثانية الآيات.
وقال: * (إنما وليكم الله...) * فما هو الوجه في الإتيان بالجمع في الآيتين والإفراد في الثانية؟