عنها. ولو أمر الشارع بالأولى ونهى عن الثانية، فهو كاشف عما يدركه العقل ومرشد إليه. وليس للشرع أن يعكس القضية بأن يحسن ما قبحه العقل، أو يقبح ما حسنه.
وقالت الأشاعرة، لا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها، ولا يتسم فعل بالحسن أو القبح بذاته قبل ورود الشرع، فلأجل ذلك لا حسن إلا ما حسنه الشارع، ولا قبيح إلا ما قبحه. فلو كان الظلم قبيحا، فلأن الشارع نهى عنه، ولو كان العدل حسنا فلأنه أمر به. ولو عكس وجعل العدل قبيحا والظلم حسنا، لكان كما قال.
ثم إن القائلين بالحسن والقبح العقليين يقسمون الأفعال من حيث الاتصاف بهما إلى أقسام ثلاثة:
الأول: ما يكون الفعل بنفسه علة تامة للحسن والقبح، وهذا ما يسمى بالحسن والقبح الذاتيين، مثل العدل والظلم. فالعدل بما هو عدل، لا يكون إلا حسنا أبدا، ومتى ما وجد لا بد أن يمدح فاعله يعد محسنا، وكذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون إلا قبيحا ومتى ما وجد ففاعله مذموم ومسئ. ويستحيل أن يكون العدل قبيحا والظلم حسنا.
الثاني: ما لا يكون الفعل علة تامة لأحدهما، بل يكون مقتضيا للاتصاف بهما، بحيث لو خلي الفعل ونفسه، فإما أن يكون حسنا كتعظيم الصديق بما هو هو أو يكون قبيحا كتحقيره. ولكنه لا يمتنع أن يكون التعظيم مذموما لعروض عنوان عليه كما إذا كان سببا لظلم ثالث، أو يكون التحقير ممدوحا لعروض عنوان عليه كما إذا صار سببا لنجاته. ولا ينحصر المثال بهما بل الصدق والكذب أيضا من هذا القبيل. فالصدق الذي فيه ضرر على المجتمع قبيح، كما أن الكذب الذي فيه نجاة الإنسان البرئ حسن. وهذا بخلاف العدل والظلم فلا يجوز أن يتسم العدل بما هو عدل بالقبح، والظلم بما هو ظلم بالحسن.