إن كثيرا من الباحثين عن التحسين والتقبيح العقليين، يعللون حسن العدل والإحسان، وقبح الظلم والعدوان، باشتمال الأول على مصلحة عامة وباشتمال الثاني على مفسدة كذلك. ولأجل تلك النتائج عم الاعتراف بحسن الأول وقبح الثاني الجميع. ولكنك عرفت أن ملاك البحث أوسع من ذلك، وأن المسألة مركزة على لحاظ نفس الفعل مع غض النظر عن تواليه وتوابعه، هل يدرك العقل حسنه أو قبحه، أولا؟ وهل العقل يدمج إحسان المحسن بالإحسان، ويذم جزاء المحسن بالإساءة أو لا؟ وهل العقل يقبح تكليف الإنسان بما لا يطيقه، أو لا؟ وهل العقل يحسن عمل العامل بالميثاق، أو لا؟ فالنقاش على هذا الصعيد لا بالنظر إلى الأغراض والمصالح، فردية كانت أم اجتماعية.
فالقائلون بالتقبيح والتحسين العقليين يقولون: إن كل عاقل مميز، يجد من صميم ذاته حسن بعض الأفعال وقبح بعضها الآخر، وإن هذه الأحكام نابعة من صميم القوة العاقلة والهوية الإنسانية المثالية.
وأول من قام بتحرير محل النزاع على الوجه الذي قررناه هو المحقق اللاهيجي في تآليفه الكلامية. وأوضح دليل على صواب تحريره هو أن الغرض من طرح هذه المسألة التوصل إلى التعرف على أفعاله سبحانه، وأن العقل هل يستطيع أن يستكشف وصف أفعاله، أو لا؟ وأن ما هو حسن عند العقل أو قبيح عنده هل هو كذلك عند الله تعالى؟ ولا يمكن ذلك الاستكشاف إلا بكون المدار في التحسين والتقبيح على ملاحظة نفس الفعل بما هو هو.
وعلى ذلك فلا معنى للبحث عن التحسين والتقبيح بالملاكات السابقة من الملائمة والمنافرة للطبع، أو موافقة الغرض ومخالفته، أو كونه حافظا وهادما للنظام والمجتمع، وإلا لبطلت الغاية التي طرحت لأجلها تلك المسألة وهي التعرف على أفعال الباري سبحانه.