المختار، وبعضها الآخر نقص له، فيحكم بحسن الأول ولزوم الاتصاف به، وقبح الثاني ولزوم تركه. ولو عمم الطبع - فيما ذكرنا من الملاكات - لهذا المعنى أي الطبع الأعلى في الإنسان، لكان هذا المعنى داخلا في لملاك الأول.
توضيح ذلك إن الحكماء قسموا العقل إلى عقل نظري وعقل عملي، فقد قال المعلم الثاني: " إن النظرية هي التي بها يحوز الإنسان علم ما ليس من شأنه أن يعمله إنسان، والعملية هي التي يعرف بها ما من شأنه أن يعمله الإنسان بإرادته ".
وقال الحكيم السبزواري في توضيحه: " إن العقل النظري والعقل العملي من شأنهما التعقل، لكن النظري شأنه العلوم الصرفة غير المتعلقة بالعمل مثل: " الله موجود واحد "، وأن صفاته عين ذاته، ونحو ذلك.
والعملي شأنه العلوم المتعلقة بالعمل مثل: " التوكل حسن " و " الرضا والتسليم والصبر محمودة ". وهذا العقل هو المستعمل في علم الأخلاق، فليس العقلان كقوتين متباينتين أو كضميمتين، بل هما كجهتين لشئ واحد وهو الناطقة " (1).
ثم، كما أن في الحكمة النظرية قضايا نظرية تنتهي إلى قضايا بديهية، ولولا ذلك لعقمت القياسات وصارت غير منتجة، فهكذا في الحكمة العملية، قضايا غير معلومة لا تعرف إلا بالانتهاء إلى قضايا ضرورية، وإلا لما عرف الإنسان شيئا من قضايا الحكمة العملية. فكما أن العقل يدرك القضايا البديهية في الحكمة النظرية من صميم ذاتها فهكذا يدرك بديهيات القضايا في الحكمة العملية من صميم ذاتها بلا حاجة إلى تصور شئ آخر.