في طي الكتمان إلى زمن المأمون. ومع أن أهل الحديث يلتزمون بعدم التفوه بشئ لم يرد فيه نص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو عهد من الصحابة، إلا أنهم خالفوا مبدأهم في هذه المسألة، إلى أن انجر بهم الأمر إلى إعلانها على رؤوس الأشهاد وصهوات المنابر. والسبق في ذلك بينهم يرجع إلى أحمد بن حنبل ومواقفه. فقد أخذ يروج لفكرة عدم خلق القرآن أو قدمه، ويدافع عنها بحماس، متحملا في سبيلها من المشاق ما هو مسطور في زبر التاريخ. وقد عرفت امتناعه عن الاقرار بخلق القرآن عند استجواب الفقهاء فسجن وعذب وجلد بالسياط، ورغم كل ذلك لم ير منه إلا الثبات والصمود، وكان هذا هو أبرز العوامل التي أدت إلى اشتهاره وطيران صيته في البلاد الإسلامية فيما بعد. وقد سجل التاريخ جملة من المناظرات التي جرت بينه وبين المفكرين من المتكلمين.
ولأجل إيضاح الحال في المقام نأتي بما جاء به أحمد بن حنبل وأبو الحسن الأشعري في هذا المجال.
قال أحمد بن حنبل: " والقرآن كلام الله ليس بمخلوق، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله عز وجل ووقف ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق، فهو أخبث من الأول. ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة، والقرآن كلام الله، فهو جهمي. ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم.
وكلم الله موسى تكليما، من الله سمع موسى يقينا، وناوله التوراة من يده، ولم يزل الله متكلما عالما، تبارك الله أحسن الخالقين " (1).
وقال أبو الحسن الأشعري: " ونقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق وإن من قال بخلق القرآن فهو كافر " (2).