ما يسمى عند الناس قولا وكلاما عبارة عن إبراز الإنسان المتكلم ما في ذهنه من المعنى بواسطة أصوات مؤلفة موضوعة لمعنى، فإذا قرع سمع المخاطب أو السامع انتقل المعنى الموجود في ذهن المتكلم إلى ذهنهما فحصل بذلك الغرض من الكلام وهو التفهيم والتفهم. وهناك نكتة نبه عليها الحكماء فقالوا: حقيقة الكلام متقومة بما يدل على معنى خفي مضمر، وأما بقية الخصوصيات ككونه بالصوت الحادث في صدر الإنسان، ومروره من طريق الحنجرة واعتماده على مقاطع الفم وكونه بحيث يقبل أن يقع مسموعا، فهذه خصوصيات تابعة للمصاديق وليست دخيلة في حقيقة المعنى الذي يتقوم به الكلام.
فالكلام اللفظي الموضوع، الدال على ما في الضمير، كلام. وكذا الإشارة الوافية لإراءة المعنى، كلام، كما أن إشارتك بيدك إلى القعود والقيام، أمر وقول. وكذا الوجودات الخارجية فإنها لما كانت حاكية بوجودها عن وجود علتها، وبخصوصياتها عن الخصوصيات الكامنة فيها، صارت الوجودات الخارجية - بما أن وجودها مثال لكمال علتها - كلاما. وعليه فمجموع العالم الامكاني كلام الله سبحانه، يتكلم به بإيجاده وإنشائه، فيظهر المكنون من كمال أسمائه وصفاته. وكما أنه تعالى خالق العالم والعالم مخلوقه، كذلك هو تعالى متكلم بالعالم، مظهر به خبايا الأسماء والصفات، والعالم كلامه (1).
قال أمير المؤمنين وسيد الموحدين (عليه السلام) في نهج البلاغة:
" يخبر لا بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات، يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة، يقول لمن أراد كونه كن فيكون، لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه ومثله، لم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا " (2).