الاذعان بالنسبة، فيرجع الكلام النفسي إلى التصورات والتصديقات، فأي شئ هنا وراء العلم حتى نسميه بالكلام النفسي. كما أنه عندما يرتب المتكلم المعاني الإنشائية، فلا يرتب إلا إرادته وكراهته أو ما يكون مقدمة لهما، كتصور الشئ والتصديق بالفائدة. فيرجع الكلام النفسي في الانشاء إلى الإرادة والكراهة، فأي شئ هنا غيرهما وغير التصور حتى نسميه بالكلام النفسي. وعند ذلك لا يكون التكلم وصفا وراء العلم في الإخبار ووراءه مع الإرادة في الانشاء. مع أن الأشاعرة يصرون على إثبات وصف للمتكلم وراء العلم والإرادة، ولأجل ذلك يقولون: كونه متكلما بالذات، غير كونه عالما ومريدا بالذات. والأولى أن نستعرض ما استدلوا به على أن الكلام النفسي شئ وراء العلم. وهذا بيانه:
الأول: إن الكلام النفسي غير العلم لأن الرجل قد يخبر عما لا يعلمه بل يعلم خلافه أو يشك فيه، فالإخبار عن الشئ غير العلم به. قال السيد الشريف في شرح المواقف: " والكلام النفسي في الإخبار معنى قائم بالنفس لا يتغير بتغير العبارات وهو غير العلم إذ قد يخبر الرجل عما لا يعلمه، بل يعلم خلافه، أو يشك فيه " (1).
يلاحظ عليه: إن المراد من رجوع كل ما في الذهن في ظرف الإخبار إلى العلم، هو الرجوع إلى العلم الجامع بين التصور والتصديق. فالمخبر الشاك أو العالم بالخلاف يتصور الموضوع والمحمول والنسبة الحكمية ثم يخبر. فما في ذهنه من هذه التصورات الثلاثة لا يخرج عن إطار العلم، وهو التصور. نعم ليس في ذهنه الشق الآخر من العلم وهو التصديق. ومنشأ الاشتباه تفسير العلم بالتصديق فزعموا أنه غير موجود عند الإخبار في ذهن المخبر الشاك أو العالم بالخلاف، والغفلة عن أن عدم وجود العلم بمعنى التصديق لا يدل على عدم وجود القسم الآخر من العلم وهو التصور.