أو قديما ثانيا، مما أثاره النصارى الذين كانوا في حاشية البيت الأموي وعلى رأسهم يوحنا الدمشقي الذي كان يشكك المسلمين في دينهم. فبما أن القرآن نص على أن عيسى بن مريم كلمة الله ألقاها إلى مريم، صار ذلك وسيلة لأن يبث هذا الرجل بين المسلمين قدم كلمة الله عن طريق خاص، وهو أنه كان يسألهم: أكلمة الله قديمة أو لا؟.
فإن قالوا: قديمة.
قال: ثبت دعوى النصارى بأن عيسى قديم.
وإن قالوا: لا.
قال: زعمتم أن كلامه مخلوق.
فلأجل ذلك قامت المعتزلة لحسم مادة النزاع، فقالوا: إن القرآن حادث لا قديم، مخلوق لله سبحانه.
ولما لم تكن هذه المسألة مطروحة في العصور السابقة بين المسلمين تشعبت فيها الآراء وتضاربت الأقوال، حتى لقد صدرت بعض النظريات الموهونة جدا كما سيأتي. لكن نظرية المعتزلة لاقت القبول في عصر الخليفة المأمون إلى عصر المتوكل، إلا أن الأمر انقلب من عصر المتوكل إلى زمن انقضاء المعتزلة لصالح أهل الحديث والحنابلة.
وفي الفترتين وقعت حوادث مؤسفة وأريقت دماء بريئة، شغلت بال المسلمين عن التفكر فيما يهمهم من أمر الدين والدنيا، وكم لهذه المسألة من نظير في تاريخ المسلمين!.
وقبل الخوض في المقصود نقدم أمورا:
الأول - إن وصف الكلام عند الأشاعرة والكلابية - الذين أثبتوا الله كلاما قديما - من صفات الذات، بخلاف المعتزلة والإمامية فهو عندهم من صفات فعله وسيوافيك الحق في ذلك. وقد حدث ذلك الاختلاف من ملاحظة قياسين متعارضين، فالأشاعرة تبعوا القياس التالي: