وأما اعتبار أن لا يكون البعد بقدر ما لا يتخطى فهو حكم استحبابي، ولم يظهر لنا وجه ذهاب المشهور إلى ذلك مع وضوح دلالة الصحيحة على اعتبار ذلك على وجه الوجوب ولا استبعاد في ذلك فإنه يكون من البعد الشرعي، وأي استبعاد في جعل الشارع ذلك شرطا في صحة الجماعة، فما عن المحقق (1) - رحمه الله - من استبعاد ذلك في غير محله.
نعم يمكن أن يكون الوجه في ذهاب المشهور إلى الاستصحاب هو ما رود في ذيل الصحيحة حيث قال الراوي: " وقال أبو جعفر عليه السلام ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون قدر ذلك مسقط جسد الانسان إذا سجد " (2) فإن ظهور " ينبغي " في الاستحباب مما لا يكاد ينكر، وكأن المشهور فهموا من الصدر والذيل معنى واحدا وجعلا ظهور الذيل في الاستحباب قرينة على أن المراد من الصدر أيضا الاستحباب، والحق معهم لو اتحد معنى الصدر والذيل، إلا أن الشأن في إثبات الاتحاد، فإنه يمكن أن يقال: إن المراد من الذيل هو التواصل الحقيقي بحيث يساوي مسجد اللاحق لموضع قدم السابق كما هو الظاهر من قوله عليه السلام " متواصلة بعضها مع بعض " ويحمل قوله بعد ذلك " لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى " على معناه الالزامي، ويكون قوله بعد ذلك " قدر مسقط جسد الانسان إذا سجد " بيانا (3) للتواصل، أي يكون قدر ذلك بين الصفين، فيستفاد من قوله " متواصلة " مع قوله " يكون ذلك قدر مسقط.... إلخ " أنه يستحب أن يكون وضع سجود اللاحق ملاصقا لموضع قدم السابق، ويكون ما وقع في أثناء