المسح يأخذ من بلة لحيته وأشفار عينيه وحاجبيه ما دامت البلة باقية فيمسح بها مطلقا والا فيعيد وضوئه هذا مضافا إلى الاجماع على أن المتابعة المعتبرة في حق الناسي التي يوجب الاخلال بها إعادة الوضوء كما هو مورد الرواية ليست الا بالمعنى المذكور ولا ينافي ما استظهرناه من الموثقة من عدم وجوب الإعادة ما لم يجف العضو السابق اطلاق قوله (ع) في حسنة الحلبي اتبع وضوئك بعضه بعضا لان المراد من المتابعة فيها على ما يشهد به ما قبل هذه الفقرة هو الترتيب بين الأعضاء بايجاد المتأخر في مرتبته نظير قوله (ع) في صحيحة زرارة تابع بين الوضوء كما قال الله عز وجل ابدء بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس والرجلين ولا تقدمن شيئا بين يدي شئ تخالف ما أمرت به فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدء بالوجه واعد على الذراع وان مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل ابدء بما بدء الله عز وجل به فان ظاهرها كالصريح في إرادة الترتيب من المتابعة واما ما يشهد بإرادة الترتيب من المتابعة في الحسنة فهو قوله (ع) قبل هذه الفقرة إذا نسي الرجل ان يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه وذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه وان كان انما نسي شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضأ وقال اتبع وضوئك (آه) إذ الظاهر أن قوله (ع) اتبع وضوئك [الخ] بمنزلة الدليل للحكم المذكور في الرواية أعني إعادة الجزء المنسى وما بعده فيراد منه الترتيب لا المتابعة العرفية وإلا لكان مقتضاها الحكم بإعادة الوضوء من رأس ولو في بعض صورة مع أنه (ع) نص على عدم إعادة ما كان توضأ فيظهر انها غير مسوقة الا لبيان الحكم من حيث الاخلال بالترتيب لأجل النسيان هذا مع أنه لو حملنا المتابعة المأمور بها في هذه الرواية على إرادة الموالاة لتعين حملها على الموالاة بالمعنى المتقدم أعني تلاحق بعض الاجزاء لبعض قبل جفاف سابقة حتى يعم الناسي وغيره لان حملها على المتابعة العرفية المستلزم لتخصيصها بما عدا الناسي نصا واجماعا مع كون صدر الرواية مسوق لبيان حكم الناسي كما ترى هذا كله بالنظر إلى القرائن الداخلية والا فمقتضى الجمع بينها وبين الأدلة السابقة تقييد مثل هذه الروايات بما لا ينافيها لحكومة مفهوم الروايتين عليها لان مفاده ان لحوق اللاحق بأثر السابق وعدم انقطاعه عن اثره متابعة فلا يعارضه اطلاق أصلا هذا مع امكان ان يقال إن لبقاء الأثر نحو تأثير في صدق المتابعة عرفا فان الفعل السابق ما دام وجود اثره بمنزلة المتجدد بنظر العرف فلا يخرج الفعل اللاحق ما دام الأثر موجودا من قابلية الانضمام إلى سابقه فمعه تتحقق المتابعة وعدم التبعيض عرفا فلا تنافى بين الاخبار أصلا وبما ذكرنا ظهر لك ضعف ما قيل كما عن صريح المبسوط وظاهر المقنعة من أن الموالاة المعتبرة في الوضوء هي المتابعة بين الاختيار ومراعاة عدم الجفاف مع التفريق لأجل الاضطرار اتكالا على اطلاق بعض الأخبار المتقدمة بعد تخصيصها بالعامد جمعا بين الأدلة وقد عرفت أن الجمع يقتضى خلافه مضافا إلى القرائن المستفادة من نفس الاخبار واستدل له أيضا بقاعدة الاشتغال وبالوضوءات البيانية * (وفيه) * بعد تسليم كون المقام مجرى قاعدة الاشتغال لا البراءة ان اطلاقات الكتاب والسنة واردة عليها واما المتابعة الحاصلة في الوضوءات البيانية بعد تسليم ظهور الاخبار فيها فلأجل جريها مجرى العادة خصوصا في مقام التعليم لا تدل على اعتبارها في مهية الوضوء كما هو ظاهر وربما يتوهم جواز الاستدلال له بالاجماعات المنقولة المستفيضة على وجوب الموالاة واعتبارها في الوضوء بناء على أن الظاهر من لفظ الموالاة الواقع في معاقد الاجماعات هو المتابعة بين الأعضاء * (وفيه) * انه لا مسرح للتشبث بظاهر معقد الاجماع بعد وضوح اختلاف مراد المجمعين وليس معقد الاجماع اعتبار مفهوم هذا اللفظ حتى يرجع فيه إلى العرف واللغة ويفصح عن ذلك مضافا إلى وضوحه عند من راجع كلماتهم تصريح نقلة الاجماع بوقوع الخلاف بين المجمعين في معناها بحيث يعلم منه ان خلافهم ليس في تفسير مدلول اللفظ وعن صريح المعتبر وغير واحد من كتب العلامة ان الموالاة بهذا المعنى أعني المتابعة العرفية واجبة مستقلة غير معتبرة في صحة الوضوء فيختص وجوبها بغير المضطر وانما المعتبر في الوضوء اختيارا واضطرارا هو الموالاة بالمعنى الأول وفي الحدائق ان هذا القول هو المشهور عند أصحاب القول بوجوب المتابعة بين الأعضاء بل عن شرح الارشاد لفخر الدين والتنقيح وجامع المقاصد وكشف الالتباس انحصار القول بوجوب المتابعة بمعنى التعاقب في هذا القول وانه لا يبطل الوضوء الا بالجفاف قولا واحدا وان فائدة الخلاف تظهر في الاثم وعدمه وكيف كان فلا يهمنا التعرض لتنقيح الأقوال وانما المهم التعرض لمستندها وقد عرفت قوة القول الأول وضعف الثاني واما الثالث فقد استدل له بالاجماع على أن الامر بالغسل والمسح في الآية الشريفة للفور وبقوله (ع) في حسنة الحلبي اتبع وضوئك بعضه بعضا وقوله (ع) في صحيحة زرارة تابع بين الوضوء كما قال الله تعالى وفيه منع الاجماع على أن الامر في الآية للفور فان القائل بمراعاة الجفاف لا يقول بالفورية بهذا المعنى كيف ولو كان للفور لوجب غسل الوجه فورا عند إرادة الصلاة مع أنه لا يقول به أحد والتفكيك بينه وبين غسل الأيدي غير جائز لكونها معطوفة على الوجه فلا يجب فيه أيضا كما في الوجه ولو استدل هذا القائل بان المتبادر عرفا من الامر بالمركب وجوب ايجاد جميع اجزائه دفعة لكان أولى وان كان فيه أيضا تأمل هذا مع أن الامر المتعلق بالأفعال انما هو للوجوب
(١٧٣)