ولكن الانصاف ان منع دلالة الأدلة المتقدمة على المدعى فيما عدا قاعدة الميسور في محله واما القاعدة فالظاهر عدم قصورها عن شمول مثل المقام لان الملاك في جريانها كما تقرر في محله كون مجريها إذا مراتب بنظر العرف لاذا اجزاء فإذا تعلق الامر بالمرتبة العالية وتعذر تلك المرتبة يجب الاتيان بما دونها من المراتب لقوله (ع) الميسور لا يسقط بالمعسور ومن المعلوم ان الطهارة الخبيثة التي هي شرط في الصلاة لم يرد منها الشارع مفهوما مغايرا غير ما بأيدينا من معناها اللغوي وهي النظافة غاية الأمر ان الشارع اعتبر في حصول المرتبة العالية منها التي جعلها شرطا في صحة الصلاة شرائط لم يكن ينالها عقولنا لو لم يبينها الشارع فبيانه للشرائط والكيفيات المخصوصة كاشف عن عدم حصول المرتبة الكاملة من الطهارة التي اعتبرها شرطا للصلاة ونحوها الا بها وهذا لا يقتضى خروج ما عداها من المراتب عن صدق النظافة عليها عرفا وانما يقتضى عدم اجزاء ما عداها من المراتب العرفية في مقام امتثال الأوامر الشرعية مطلقا لولا قاعدة الميسور ولازمه سقوط التكليف عند تعذر الشرائط واما بعد تصريح الشارع بان الميسور لا يسقط بالمعسور يستفاد منه عدم سقوط التكليف بالتعذر وان اعتبار هذه الشرائط والكيفيات المخصوصة مخصوص بحال التمكن وبالجملة صدق النظافة عرفا على إزالة العين في الجملة ولو باتصافها بالناقصة ممالا تأمل فيه وهذا المقدار كاف في جريان القاعدة نعم في كون تقليل عين النجاسة من مراتب النظافة عرفا تأمل كما أن صدقها على إزالة المتنجسات عن البدن مع بقاء اثرها لا يخلو عن اشكال إذ لا فرق بين الحال والمحل بنظر العرف في النجاسة الحكمية ولا يتعقل العرف للحال قذارة زائدة على المحل حتى يحصل بإزالة الحال مرتبة من النظافة لم تكن قبلها ولا يكون إزالة عين المتنجس الا كتقليل عين النجس بل ليس القذارة فيها الا من حيث الأثر فهي أشبه شئ بالقذارات المعنوية الحاصلة من الاحداث التي لا يتعقل العرف فيها تركيبا ولا ترتبا وكذا يشكل التمسك بها في ايجاب غسل بعض الثوب والبدن إذا تعذر غسل الجميع لامكان منع كون غسل البعض من مراتب غسل الكل نعم يصح التمسك في مثله بقوله (ع) إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وقوله (ع) مالا يدرك كله لا يترك كله فتأمل وقد يقال بامكان الاستدلال لوجوب إزالة العين عند التعذر باطلاق ما دل على أن حد الاستنجاء النقاء كما في حسنة ابن المغيرة قال قلت هل للاستنجاء حد قال لا حتى ينقى ماثمة بناء على عموم الاستنجاء للبول وحصول النقاء بإزالة العين بدعوى أن غاية ما يستفاد من الاخبار الامرة بغسل البول بالماء تقييد الاطلاق في الغسل بالماء بإزالة الأثر مع القدرة فيبقى صورة العجز داخلة في اطلاق كفاية النقاء وفيه منع امكان ذلك ولو بعد تسليم المقدمتين لان الوجوب المستفاد من الأوامر المقيدة غيرى بل شرطي محض وقد تقرر في محله ان هذا النحو من الوجوب لا يتقيد بالقدرة إذا كان دليله مطلقا لكون الامر فيه بمنزلة الاخبار عن كونه شرطا في حصول ذي المقدمة أو جزء له ومن المعلوم عدم اقتضاء الشرطية والجزئية اختصاصهما بحال القدرة غاية الأمر سقوط التكليف بالمشروط عند تعذر الشرط لا انتفاء الشرطية هذا مع أن الظاهر أن السائل انما أراد من سؤاله معرفة حد الاستنجاء الذي يستعقب طهارة المحل ولا تعرض فيها من حيث الحكم التكليفي أصلا فدعوى كون النقاء حدا للبول في حال الضرورة يلزمها الالتزام بطهارة المحل كما في الاستنجاء من الغائط وهو خلاف الاجماع كما تقدم نقله عن المدارك والجواهر والعجب من شيخنا المرتضى [قده] حيث اقتصر في رد هذا الاستدلال على منع الشمول أولا واستلزامه خروج الحد عن ظاهره ثانيا وظاهره الاعتناء بهذا الاستدلال لولا هذين المحذورين مع أنه [ره] هو المؤسس في هدم هذا البنيان وقد بالغ في أصوله في تضعيفه بما لا مزيد عليه واعلم أنه قد اختلفت الاخبار وكلمات الأصحاب في أقل ما يجزى من الماء في تطهير مخرج البول فعن أبي الصلاح ان أقل ما يجزى ما أزال العين من رأس الفرج وعن الحلي أقل ما يجزى من الماء لغسله ما يكون جاريا ويسمى غسلا والظاهر اتحاد كلامي أبى الصلاح والحلي كما فهمه العلامة في محكى المختلف ونسب إليه الميل إلى قولهما في مختلفة ومنتهاه ونقله عن ظاهر ابن البراج أيضا وعن الأكثر بل المشهور اختيار ما يستفاد من رواية نشيط بن صالح عن ابن عبد الله (ع) قال سئلته كم يجزى من الماء في الاستنجاء من البول فقال مثلا ما على الحشفة من البلل وعن الشهيد في البيان ان الاختلاف بين الأصحاب انما هو في التعبير قال فيما حكى عنه ويجب غسل البول بالماء خاصة وأقله مثلاه مع زوال العين والاختلاف هنا في مجرد العبارة انتهى وغرضه بحسب الظاهر أن طهارة المخرج موقوفة على حصول مسمى الغسل الذي لا يتحقق شرعا وعرفا الا على تقدير قاهرية الماء واستهلاك البول وهذا مما لابد منه جزما إذ لا يلتزم أحد بطهارة المحل من دون حصول مسمى الغسل والاستهلاك وأقل ما يتحقق به ذلك كون الماء ضعف البول ان أزيل معه العين والمناقشة فيه بامكان حصول الاستهلاك بما دون الضعف ليس التفاوت بين ما يحصل به الاستهلاك وبين المثلين بنظر العرف بينا حتى يكشف اختلاف التعبير عن اختلاف مرادهم ولا يبعد ان يكون مقصوده بيان اتحاد الغرض من هذين التعبيرين لا عدم الاختلاف في المسألة رأسا فلا ينافي ذلك ما حكى عنه في الذكرى من الجزم باعتبار الغسل مرتين إذ من الجائز ان يلتزم في كل غسلة
(٨٥)