كما لو وجب اكرام كل عالم وحرم اكرام كل فاسق فتصادق العنوانان على فرد فلا محالة تتحقق المعارضة بين دليلهما فلابد [ح] من الرجوع إلى ما تقرر في باب تعارض الأدلة من تقديم الأهم والتخيير لولا الأهمية أو تغليب جانب الحرمة على الخلاف المقرر في محله والتعرض لبيانه أجنبي عن المقام وان كان أحدهما إلزاميا تعيينيا كحرمة التصرف في مال الغير دون الاخر بان لم يكن إلزاميا أو كان ولم يكن تعيينيا كالأمر بالصلاة المقتضى للاجزاء في ضمن أي فرد كانت فلا محالة يقدم الطلب التعييني على غيره ويتقيد به الامر الاخر ويختص مورده بغير هذا الفرد بحكم العقل والعقلاء خلافا لمن جوز الاجتماع وحكم بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مع تحقق العصيان بالغصب * (والسر) * في ذلك أنه لو كان لشئ واحد جهات متعددة مقتضية لاحكام مختلفة فإن كان بعض تلك الجهات موجبا للالزام اما بعقل هذا الشئ أو بتركه على سبيل التعيين امتنع ان يؤثر سائر الجهات في ثبوت حكم فعلى لهذه الشئ مخالف لما اقتضته الجهة الملزمة فلم يبق لسائر الجهات بعد الالزام بالفعل أو بالترك حكم الا شأنا لان ضرورة العقل قاضية بقبح طلب الفعل حتما مطلقا والترخيص في تركه وتعدد الجهات لا ينفع في رفع القبح كما هو ظاهر وهذا بخلاف ما لو لو يكن شئ منها موجبا للالزام على سبيل التعيين بان كان النهى تنزيهيا والامر استحبابيا أو إلزاميا متعلقا بطبيعة أمكن ايجادها في غير مورد الاجتماع فلا مانع من أن يستتبع كل من الجهات ما يقتضيه تلك الجهة بعنوانها الاجمالي الكلى لأنه متى جاز للمكلف ارتكاب فعل ولو على سبيل المرجوحية كاستعمال الماء المسخن جاز له اختياره قاصدا به امتثال الامر المتعلق بطبيعة الوضوء الحاصلة بفعله ولا ينافي ذلك كراهة فعله من حيث إنه استعمال للماء المسخن لان مرجعه إلى كراهة اختيار هذا الفرد في مقام امتثال الامر بالطبيعة لا كراهة الطبيعة الحاصلة بهذا الفعل ولكن يشترط في صحة هذا الفعل ووقوعه عبادة كون مصلحته الحاصلة بفعل الوضوء قاهرة على مفسدته الحاصلة باستعمال هذا الماء بحيث لو انحصر الماء فيه لتعين استعماله اما على سبيل الوجوب ان كان الامر إلزاميا أو الندب ان كان استحبابيا وكونه كذلك لا يمنع من أن يتعلق به نهى مولوي في صورة عدم الانحصار كي يخصص به دليل الكراهة إذ لا استحالة في أن ينهى المولى عبده عن أن يختار فرد إذا مفسدة في مقام الامتثال الامر المتعلق بطبيعة حاصلة بفعله وحيث إن المفروض جواز مخالفة هذا النهى وكونه تنزيهيا فهو لا يقتضى قصر طلبه المتعلق بالطبيعة على ما عداه من الافراد بعد فرض كون هذا الفرد أيضا كغيره من الافراد محصلا لغرضه وكونه في حد ذاته جائز الارتكاب بل قد يتأمل في اشتراط قاهرية المصلحة في الفرد المحصل للعنوانين نظرا إلى أن قضية تعليق الامر على الطبيعة كون اختيار تعيين الافراد موكولا إلى إرادة المكلف فكل فرد جاز له فعله صح الاتيان به بقصد امتثال الامر المتعلق بالطبيعة * (نعم) * قضية قاهرية المفسدة الناشئة من الخصوصية المرجوحة صيرورة مطلوبية الفرد المشتمل عليها على سبيل الترتب فيكون الحكم الفعلي المنجز في حقه مثلا كراهة استعمال هذا الماء مطلقا ومطلوبية الوضوء به مقيدة باختياره لارتكاب هذا المكروه ولا يتمشى مثل هذا التقريب فيما لو كانت الخصوصية محرمة كما تقدمت الإشارة إليه ويأتي توضيحه في مبحث التيمم [انش] وقد ظهر بما قررناه ان ما ذكره الشهيد [ره] من بقاء الكراهة في صورة الانحصار لا يخلو من تأمل بل منع والله العالم * (وتكره) * الطهارة بماء أسخن بالنار في خصوص غسل الأموات اجماعا كما عن غير واحد نقله لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) لا يسخن الماء للميت ومرسلة عبد الله بن المغيرة عن أبي جعفر (ع) وأبى عبد الله (ع) قالا لا يقرب الميت ماء حميما وخبر يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال لا يسخن للميت الماء لا يعجل له النار ولا يحنط بمسك وظاهر الروايات خصوصا الأخيرتين منها كراهة استعماله [مط] ولو في مقدمات الغسل كإزالة النجاسة عن بدنه ويحتمل ان يكون مراد المصنف [ره] ومن عبر كعبارته من الغسل أعم منه ومن مقدماته أو يكون الغسل في العبارة بفتح العين فيعم وكيف كان فالحكم مخصوص بغير مورد الضرورة كما إذا كان على بدنه نجاسة لا يزيلها الا الماء الحار ووجهه واضح * (وقد) * استثنى أيضا ما إذا كان شتاء باردا شديد البرد وان تمكن الغاسل من أن يوقى نفسه بحيث لا يتأذى من البرد كما يدل عليه مرسلة الصدوق قال قال أبو جعفر (ع) لا يسخن الماء للميت قال وروى في حديث اخر الا ان يكون شتاء باردا فتوقى الميت مما توقى منه نفسك وعن الرضوي ولا يسخن له ماء الا ان يكون باردا جدا فتوقى الميت مما توقى منه نفسك ولا يكون الماء حارا شديدا وليكن فاترا والتعبير في الروايتين بتوقية الميت يشعر بان حكمة الحكم احترام الميت وان التسخين [ح] ليس تعجيلا له بالنار بل ينبغي ان يقصد به احترامه فيستشم من هاتين الروايتين وكذا من قوله (ع) في خبر يعقوب ولا يعجل له النار كون التغسيل بالماء الحار منافيا لاحترام الميت لكونه منشأ للتطير والتشام وهذه الحكمة انما تناسب الكراهة لا الحرمة ولعل هذا هو الوجه في فهم الأصحاب من الروايات الكراهة بل لعلها هي التي تتسبق إلى الذهن من مجموع الروايات بقرينة كونها بحسب الظاهر تعريضا على العامة الذين جعلوا التسخين شعارا لهم كما يشعر بذلك التعبير بلفظ الحميم والتعجيل له بالنار وكيف كان فلا بد من حمل النهى على الكراهة لما عرفت من دعوى غير واحد الاجماع عليها المعتضدة بعدم نقل الخلاف في المسألة والله العالم * (وهل) * تختص الكراهة بالمسخن بالنار كما هو ظاهر المتن وغيره أم تعم مطلق السخن ولو بالشمس وجهان من اطلاق الصحيحة وغيرها ومن ظهور قوله (ع) في خبر يعقوب ولا يعجل له
(٥٩)