الا كالفقير المعدم الذي لا يقصد بمشيه إلى حضرة السلطان وقربه منه الا التناول من فضل طعامه لا لأجل ان طعامه له شرافة وفضل بل لنفس الطعام من حيث ذاته من دون فرق بين ان يصل إليه من السلطان أو من غيره فهذا الشخص ممن لم يذق طعم الكمالات الحقيقية ولم يستأنس الا بالشهوات الجسمانية فلا يليق به الا الفوز بما نواه وبين هذه المراتب أيضا مراتب لا تحصى والكل مشتركة في صحة العمل بها وكونه مسقطا للامر اما فيما عدا قصد الفوز بالثواب والتخلص من العقاب وما دونها من الرتبة فلا كلام فيه واما فيه وان كان ظاهر بعض الاستشكال في صحته الا انك عرفت أنه لا اشكال فيها أيضا لان ترتب الشئ على الإطاعة بالفعل لا يخرج الإطاعة من كونها غاية للعمل حتى يعارضها في الاخلاص وان أبيت إلا عن ذلك فنقول كفانا في صحة من ينوى بإطاعته الثواب أو الامن من العقاب بل وغيرهما من الحوائج الدنيوية الآيات والاخبار المتكاثرة التي لا يحوم حولها الحد والحصر الدالة على الصحة وكفاك في ذلك اخبار التسامح ومشروعية صلاة الحاجات والأدعية المأثورة في طلب الأولاد وغيره بل ما فيها من الوعد والوعيد المعلوم سوقها لترغيب الناس بالطاعات والتحذير عن المعاصي وبعد الغض عن جميع ذلك نقول كيف يمكن تكليف البخيل الذي يحب المال حبا شديدا بأنه يجب عليك ان تدفع خمس مالك حبا لله لا خوفا من عقابه وهل هذا الا التكليف بغير المقدور ولعل القائل بالفساد انما أراد ما لو قصد بفعله هذه الأمور من دون توسيط الطاعة كما سبق منا بيانه والله العالم * (المرحلة الرابعة) * في أنه هل يعتبر في حصول الإطاعة الجزم بالنية أم يصح العبادة مع الترديد وتفصيل القول في هذا المقام ان الترديد تارة في الامر وأخرى في المأمور به * (و) * بعبارة أخرى الشك اما في التكليف أو في المكلف به مع العلم بالتكليف وعلى أي تقدير اما انه متمكن من تحصيل المعرفة التفصيلية والجزم بالنية حال العمل أم لا اما على الثاني فلا اشكال بل لا كلام ظاهرا الا ما عن ظاهر بعض في حسن الفعل وحصول الإطاعة باتيان المحتمل وعدم توقفها على الجزم حال الفعل والا للزم عدم مشروعية الاحتياط في العبادات رأسا وفساده ظاهر واما على الأول فإن كان الشك في التكليف فمنشأه اما الاشتباه في الأمور الخارجية أو الجهل بالحكم الشرعي اما الأول فهو كما إذا شك في وجوب الغسل عليه للشك في طرو الجنابة وكالشك في وجوب الوضوء عليه للشك في حدوث ما يوجبه وهذا القسم مما لا ينبغي التأمل في حصول الإطاعة وصحة العلم لو اتى به لاحتمال الوجوب لان الإطاعة في التكاليف المحتملة لا تعقل الا بان يأتي بالفعل بداعي الاحتمال واشتراط حصولها بادراج المكلف نفسه في الموضوع الذي يقطع بسببه تنجز الخطاب في حقه ممالا يساعد عليه العقل وبناء العقلاء واما ما كان منشأ التردد والاشتباه الجهل بالحكم الشرعي فربما يظهر من غير واحد وجوب الفحص عن الحكم الشرعي بمراجعة الأدلة أو تقليد المجتهد وبطلان العبادة بدونه بل ربما يظهر من العبارة المحكية عن السيد الرضى وتقرير أخيه السيد المرتضى قدس سرهما كون بطلان العبادة على تقدير الجهل باحكامها اجماعيا وقد اشتهر بينهم بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد والذي يقتضيه التحقيق صحة عمل المحتاط التارك للطريقين كمالا يبعد شيوع القول بها بين المتأخرين لان العلم بالاحكام ليس شرطا شرعيا في العبادات كالوضوء للصلاة حتى تبطل بالاخلال به وانما وجب تحصيله مقدمة للخروج من عهدتها ولا يتوقف قصد الإطاعة المعتبر في صحة العبادات على احراز التكليف بل يكفي فيه احتماله فان المراد بقصد الإطاعة الذي نقول باشتراطه انما هو الاتيان بالمأمور به بقصد امتثال الامر والخروج من عهدة التكليف بان يكون بعنوان كونه كذلك صادرا عن اختيار المكلف ولا يتوقف ذلك على احراز الامر بل يكفي فيه احتماله فان الآتي بالفعل احتياطا لا يقصد بفعله الا امتثال الامر المحتمل والخروج عن عهدة التكليف على تقدير ثبوته فالباعث له على الفعل ليس إلا إرادة الامتثال وإن شئت قلت إنه لا يعتبر في صحة العبادة أزيد من حصولها بقصد التقرب كما تقدمت الإشارة إليه وهو حاصل في الفرض لأنه لم يأت بالفعل الا لله [تعالى] وكفى بكونه كذلك في حصول قصد التقرب واما احتمال كون الجزم في النية شرطا شرعيا في الواجبات التعبدية فيدفعه الجزم بعدم استناد القائلين باعتباره الا إلى توقف تحقق الإطاعة عليه عقلا لا بدليل تعبدي ولأجل ذلك يمكن دعوى الاجماع التقديري على عدم اعتبار الجزم في النية هذا مع أن مجرد الاحتمال لا يقتضى وجوب الاحتياط في مثل المقام لان شرطيته بيانها من وظيفة الشارع على هذا التقدير وقد عرفت فيما سبق ان المرجع فيه أصالة البراءة لا الاحتياط فراجع ما سبق وانتظر ما سنتلو عليك فيما سيأتي في إزالة بعض الشكوك المتوهمة [انش] وان كان التردد في المكلف به لا في التكليف ومنشأه اما الجهل بنفس الواجب وتردده بين أمور واما عدم الوثوق حين الشروع بتمكنه من اتمام الفرد المأتي به وسلامته عن عروض المنافيات له كما إذا صلى في مكان لا يثق بقدرته على اتمامها في ذلك المكان أم توضأ بماء لا يطمئن بكفايته للوضوء أو ائتم بامام لا يجزم بادراكه راكعا أو اتمام الصلاة على وجه مشروع ومن هذا القبيل ما لو لم يعلم باحكام الطواري كالشكوك العارضة في أثناء الصلاة فتردد لأجل احتمال طروها في الأثناء في التمكن عن اتمام الصلاة على وجه مشروع فهل يجوز له الشروع في محتملات الواجب في صورة الجهل بنفس الواجب مع تمكنه من معرفته تفصيلا أو الدخول في الفرد
(١٠٣)