الاحكام المقررة في شريعة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله مما أحب الله تعالى ان يتأدب بها كافة عباده المكلفين ولا يرضى لاحد ان يتعدى عنها فلو فرض ظهور بعض الأخبار في ما ينافي ذلك لتعين تأويله * (هذا) * مع أنه يستفاد عموم الحكم في كثير من الاحكام من اطلاقات أدلتها حيث لم يقيد الأوامر والنواهي الواردة فيها بالاسلام حتى يكون الاسلام قيدا لطلباتها * (نعم) * لو احتمل في شئ من الواجبات ان يكون للاسلام مدخلية فيما يقتضيه من الحسن والطلب كما في وجوب حفظ الفرج عن النظر لو احتمل كونه لشرافة الاسلام ولم يفهم من دليله عموم لاتجه فيه ما ذكره صاحب الحدائق ولكنه فرض نادر ينصرف عنه كلمات الاعلام هذا كله بالنسبة إلى الاحكام الأولية * (واما) * الواجبات التعبدية التي شرعت تداركا لما فات فيما سلف كالقضاء والكفارة فيمكن منع كونهم مكلفين بها لان صحتها مشروطة بالاسلام وهو يجب ما قبله فكيف يؤمر بها مع توقفها على ما يقتضى عدمها * (فتأمل) * الثاني من وجوه النظر ما ادعاه من دلالة الأخبار الكثيرة على توقف التكليف على الاسلام * (منها) * صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام فإنه قال بعد أن سئل عن وجوب معرفة الامام على من لم يؤمن بالله ورسوله كيف يجب عليه معرفة الامام وهو لا يؤمن بالله ورسوله قال فان هذه الرواية صريحة الدلالة على خلاف ما ذكروه فإنه متى لم تجب معرفة الامام قبل الايمان بالله ورسوله فبطريق أولى لا تجب معرفة سائر الفروع التي هي متلقاة من الإمام (ع) * (وفيه) * ان المنفى في الصحيحة انما هو وجوب تحصيل معرفة الإمام (ع) على من لم يعرف الله ورسوله في حال جهله بالله والرسول وهو محال كما يدل عليه تعجب الإمام (ع) ولا يدعيه أحد من العدلية وانما المدعى انه يجب على من لا يعرف الله ورسوله ان يعرف الله ومن هو منصوب من قبله تعالى في تبليغ احكامه ويجب عليه ان يطيعه في جميع أوامره ونواهيه وهذا من المستقلات العقلية التي لاتقبل التخصيص و موضوع الوجوب بنظر العقل ليس إلا نفس المكلف وقد حمل وجوب معرفة النبي صلى الله عليه وآله والإمام (ع) في الأخبار المتواترة على اشخاص المكلفين ولم يؤخذ وصف الاسلام في شئ منها قيد الوجوب معرفة الإمام (ع) كمالا يخفى على من راجعها * (وقد) * استشهد على ما ادعاه بروايات اخر يجب على تقدير تسليم ظهورها في مدعاه صرفها عن ظاهرها لأنه يدفع بالقاطع الثالث لزوم تكليف مالا يطاق فان تكليف الجاهل بما هو جاهل تصورا أو تصديقا تكليف بغير المقدور * (وفيه) * أولا النقض بتكليفه بالاسلام فإنه جاهل به تصديقا وحله انه ان أريد من قبح تكليف الجاهل قبح توجيه الخطاب إليه والطلب منه ففيه ان الخطاب أولا وبالذات انما يوجه إلى الجاهل فان علم منه تكليفه تفصيلا أو اجمالا يتنجز الطلب في حقه ويجب عليه الخروج من عهدته عقلا والا فهو معذور ما لم يكن مقصرا فلا يعقل ان يكون توجيه الخطاب إليه مشروطا بعلمه * (و) * ان أريد قبح تنجيزه عليه بمعنى مؤاخذته على مخالفة ما امره به ولو لم يعلم حكمه من الخطاب أولم يصله الخطاب الموجه إليه * (ففيه) * انه انما يقبح بالنسبة إلى القاصر دون المقصر الذي يجب عليه الفحص والسؤال ولذا لم يقل أحد بمعذورية الجاهل بالأحكام الشرعية إذا عمل بالبراءة قبل الفحص عن الطرق الشرعية نعم ها هنا كلام وهو ان الجاهل المقصر إذا أغفل ووقع في مخالفة الواقعيات في زمان غفلته هل يعاقب لأجل مخالفته للاحكام الواقعية كما عن المشهور أو بسبب تركه للتعلم حين التفاته إلى الحكم وتردده كما عن الأردبيلي وصاحب المدارك [قده] وهذا أجنبي عما نحن فيه لان المقصود لثبات مشاركة الكفار مع المسلمين في الأحكام الواقعية واستحقاقهم للعقاب بمخالفتها في الجملة واما تعيين ما هو سبب للاستحقاق بالنسبة إلى ما يصدر منهم في زمان غفلتهم فلسنا في مقام بيانه وقد تقرر في محله ان الأقوى ما عليه المشهور وسيأتي بعض الكلام فيه في المرتد الفطري [انش] وربما يتوهم استحالة تكليف الكافر بالعبادات لعدم صحتها منه * (وفيه) * ان الممتنع انما هو امره بايجادها صحيحة في حال كفره ولا يدعيه أحد وانما المدعى انه يجب عليه في حال كفره ان يوجدها صحيحة كما أنه يجب على المحدث بعد دخول الوقت ان يصلى صلاة صحيحة ولا استحالة فيه كما هو ظاهر * (الرابع) * الأخبار الدالة على طلب العلم كقولهم طلب العلم فريضة على كل مسلم فان موردها المسلم دون مجرد العاقل البالغ * (وفيه) * مالا يخفى * (الخامس) * انه لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله امر أحدا ممن أسلم بالغسل من الجنابة بعد الاسلام مع أنه قلما ينفك أحد منهم من الجنابة في تلك الأزمنة المتطاولة ولو امر بذلك لنقل وفيه بعد توجيه الاستدلال بان عدم وجوب الغسل عليه بعد أن أسلم لصلواته اللاحقة كاشف عن عدم كون جنابته مؤثرة في وجوب الغسل عليه في حال كفره والا لبقي اثرها بعد الاسلام يتوجه عليه بعد تسليم الملازمة انه لو تم لجرى مثله بالنسبة إلى الوضوء وتطهير ثيابه وأوانيه عن النجاسة الخارجية التي لا ينفك عادة ما يستعمله الكافر عنها بل جرى مثله بالنسبة إلى سائر الفروع كالصلاة ونحوها وحله ان كل من يسلم يحكم عقله بديهة بأنه يجب عليه ان يتعلم احكام المسلمين والعمل بها فإذا رجع إلى المعلم يرشده إلى شرايع الاسلام ويعرفه احكام صلاته وصومه ويبين له انه ان كان جنبا فليتطهر والا فليتوضأ وليغسل ثوبه وبدنه عن النجاسات عند الصلاة وأوانيه عند الاستعمال فيما هو مشروط بطهارتها إلى غير ذلك مما هو مقرر في شريعة الاسلام ولا يجب امره بهذه الأمور مفصلا عند اسلامه كما هو ظاهر هذا مع أنه روى امر النبي صلى الله عليه وآله
(٢٢٨)