للامر المنجز الذي قصد بفعله امتثاله وانما الكلام في كونه مانعا من توجيه الخطاب بالتطهير لأجل الغايات التي لم يكن لأجلها مأمورا بهذا الوضوء الناقص ومن المعلوم أنه لا يتوجه الامر بالوضوء الناقص إذا فرضنا انه لا يؤثر في التطهير الأبعد تنجز الامر بشئ من غاياته التي لا يمكن التوصل إليها الا بالوضوء الناقص والا فلو أمكن التوصل إليها بالوضوء التام لم يعقل كون الامر بها مقتضيا لايجاب الوضوء الناقص الذي هو بدل اضطراري فلا يكون الوضوء الناقص بالنسبة إلى الغايات التي لا يتوقف حصولها عليه مأمورا به حتى يقال إن الامر يقتضى الاجزاء ولا ينافي ذلك ما قويناه من عدم اشتراط صحة الوضوء الصادر تقية بعدم المندوحة ولا القول بجواز البدار لأولي الاعذار مطلقا إذ بعد فرض كون وجوب الوضوء غيريا وكون الوضوء الناقص بدلا اضطراريا من دون ان يكون مؤثرا في التطهير الحقيقي انما يلاحظ جواز البدار وعدم اشتراط عدم المندوحة بالنسبة إلى غايته التي اثرت في طلبه لا نفسه فمعنى جواز البدار ان المكلف مخير في ايجاد صلاته في كل جزء من اجزاء الوقت فلو اختار في مقام الامتثال ايجادها في جزء يتوقف حصولها في ذلك الجزء على الوضوء الناقص يصح وضوئه حينئذ وإلا فلا لكونه مأمورا به في الأول وهو يقتضى الاجزاء دون الثاني نعم لازم هذا المذهب الالتزام بجواز الدخول في الصلاة التي توضأ لأجلها بعد زوال السبب لو لم يتأخر دخوله في الصلاة عن زمان زوال السبب بمقدار يمكن التطهير فيه الا ان يمنع جواز المبادرة في مثل الفرض بدعوى انصراف الأدلة عن مثله كما ليس بالبعيد فان وضوح كون الوضوء الناقص عذريا مما يهون الامر في التقصي عن مثل هذه الالزامات كما لا يخفى وكيف كان فقاعدة الاجزاء لا تقتضي الا كون المأتي به مسقطا للامر الغيري الذي قصد امتثاله لا الأوامر الغيرية المتولدة من الغايات الاخر فان سقوط تلك الأوامر موقوف على كون المأتي به موجبا لتحقق المهية التي يتوقف عليها سائر الغايات كما عرفت تحقيقه في مبحث النية وكونه كذلك فيما نحن فيه أول الكلام ثم لا يخفى عليك انه لو لم يثبت كون الوضوء الناقص كالتام رافعا للحدث ليس للمتوضي قصده فضلا عن أن يجب حصوله وليس معنى قوله لكل امرء ما نوى ان كل ما يقصده المرء بفعله يترتب عليه ولو لم يكن من اثاره كما هو ظاهر إذا عرفت ما ذكرناه ظهر لك ان المتبع انما هو مستند الحكم فان استفيد منه كون الوضوء الناقص بدلا اضطراريا من الوضوء التام مطلقا أو استفيد منه كونه فردا حقيقيا المهية الوضوء التي عرفت في محلها ان من لوازمها رفع طبيعة الحدث لو صادفت محلا قابلا للرفع فهو والا فمقتضى الاحتياط اللازم إعادة الوضوء بعد زوال السبب فنقول ظاهر جميع الأدلة الدالة على وجوب الوضوء الناقص على أولى الاعذار بل صريح أكثرها ان الفعل المأتي به حال الضرورة مصداق حقيقي وفرد واقعي لمهية الوضوء ولعله من الأمور الواضحة عند المتشرعة المغروسة في أذهانهم ولذا ينوى المكلف بمجرد الاطلاع على الحكم الشرعي بفعله امتثال امره الواقعي ولا يلتمس في تعيين وجه الفعل دليلا آخر ولذا استدل شيخنا الأكبر [قده] في جواهره على المطلوب بأنه ينوى بوضوئه رفع الحدث فيجب حصوله اعتمادا على أن صغراه من البديهيات التي لا يحتاج اثباتها إلى إقامة البرهان الا ترى أنه لا يشك أحد في أن الأقطع الرجل وضوئه الواقعي الذي يرتفع به حدثه هو ما يؤديه على وفق تكليفه فلو تجدد له رجل بقدرة الله تعالى له يقتضى ذلك الا تغيير كيفية وضوئه لا رفع اثر وضوئه السابق لان تجدد الرجل ليس من نواقض الوضوء كما هو ظاهر وكذا رواية عبد الأعلى وغيرها من اخبار الباب حتى مثل قوله (ع) الميسور لا يسقط بالمعسور ليس مفادها الا وجوب ايجاد المهية الواقعية التي اثرها رفع الحدث بهذه الكيفية امتثالا لامره الواقعي فلا ينبغي التردد في أن مفاد الأدلة كون الوضوء العذري محصلا للطهارة التي هي شرط للصلاة وغيرها من الغايات فيجب حصولها بفعله ولا يرفعها الا الحدث و إن شئت مزيد اذعان فلاحظ الأخبار الخاصة الواردة في التقية أترى ان السائل حين سئل الإمام (ع) في غسل اليدين أيرد الشعر فأجابه الإمام (ع) ان كان عنده آخر فعل أو سئل عن انه هل في مسح الخفين رخصة فقال (ع) لا الا لتقية أو ثلج تخاف على رجليك إلى غير ذلك من الأخبار الخاصة هل يتوهم من هذه الأخبار الا كون المأتي به وضوء واقعيا يترتب عليه جميع اثاره فالأقوى عدم وجوب الإعادة بعد زوال السبب ولكن القول الأول أحوط كما لا يخفى وجهه وليعلم ان ما ذكرنا انما هو بالنسبة إلى الموارد التي دلت الأدلة الشرعية على وجوب ايقاع المأتي به بعنوان كونه وضوء واقعيا امتثالا لامره الواقعي كجميع الموارد التي تقدمت الإشارة إليها واما لو لم يكن مفاد الأدلة ذلك كما لو توضأ بالخمر تقية فلا فان شيئا من الأدلة لا يساعد على صحته ورافعيته للحدث واما عمومات اخبار التقية فليس مفادها جواز ايقاعه بهذا العنوان ولا ينافي ذلك ما تقدم في رد المحقق الثاني * (بيان) * ذلك أن مفاد عمومات اخبار التقية كقوله (ع) التقية في كل شئ يضطر إليه ابن ادم فقد أحله الله كما عرفت فيما سبق ان التقية سبب لإباحة المحرمات ورفع المنع الثابت في الشريعة عنها سواء كان متعلق التقية بنفسه من المحرمات كشرب المسكر وترك الصلاة والصوم أو لأجل افضائه إلى الاخلال بشرط واجب كالتكتف في الصلاة أو ترك مسح الرجلين في الوضوء فإنه حرام لا لذاته ولا لأجل كونه اخلالا بالوضوء
(١٦٩)