لا تدل رواية أبى الورد الا على الايجاب الجزئي يجب الاقتصار في رفع اليد عن الاطلاقات على القدر المتيقن الذي انعقد الاجماع عليه وهو ما إذا لم تتاد التقية الا بالمسح ولعل هذا هو الوجه لما ذهب إليه المشهور على ما نسب إليهم من تقديم غسل الرجلين على مسح الخفين عند الدوران في مقام التقية لا ما ذكره بعضهم من أن الغسل أقرب إلى مطلوب الشارع لامكان الخدشة فيه بعدم التسليم نعم يمكن الاستدلال له باطلاق امر الإمام (ع) في خبر علي بن يقطين بغسل رجليه تقية بل وكذا يمكن الاستدلال له باطلاق الامر بغسل الرجلين في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) المحمولة على التقية إذ الظاهر أنه (ع) أوجب عليهم غسل الرجلين لأجل التقية لا ان الامر صدر منه تقية من المخالفين لا لمجرد مخالفته للأصل المعتمد عليه عند العقلاء من حمل اللفظ على إرادة معناه الحقيقي واقعا ما لم ينكشف خلافه بل له ولما أشرنا إليه فيما تقدم من معروفية مذهب الإمام (ع) عند أولى الشوكة الذين كان على الإمام (ع) التقية منهم كما يظهر ذلك بالتتبع في أحوالهم حيث إنهم كانوا يختبرون من بيتهم بالتشيع بوضوئه فالقول بتقديم الغسل على المسح عند الدوران أقوى هذا مع أن الاحتياط في مثل المقام مما لا ينبغي تركه بل لا يبعد القول بوجوبه اما للقول بكونه هو المرجع عند دوران الامر بين التعيين والتخيير أو للالتزام بكون الشك فيه في المكلف به أعني مصداق الطهور الذي هو شرط للصلاة لا في التكليف وان كان في كليهما تأمل وبما ذكرنا ظهر لك انه لو ترك غسل الرجلين حال التقية مع الامكان وكذا مسح الخفين لو لم تتاد التقية الا به لم يصح وضوئه لان ظاهر الأوامر بدلية الفعل المأتي به تقية عن المسح الواقعي فيفسد الوضوء بتركه سواء مسح بشرة القدم حينئذ أم لا لان مسح البشرة لأجل تعلق النهى الفعلي بفعله لا يكون جزء من العبادة فيكون كتارك الجزء الذاتي كما هو ظاهر ويظهر عن عبارة المصنف [ره] حيث جعل التقية قسيما للضرورة انه لا يعتبر في جواز التقية عدم المندوحة فيجوز الوضوء تقية في محضر المخالفين مع التمكن من ايجاده تام الأجزاء والشرائط بالتأخير أو التستر عنهم فلا يكون التقية عن المخالف على حد سائر الضرورات المبيحة للمحظورات بقدرها فيكون امرها أوسع من غيرها وفاقا لتصريح غير واحد من الاعلام بل ربما يستشم من بعض عبائرهم كونه مسلما عندهم خلافا لصريح بعض وظاهر آخرين وهم المتمسكون للجواز بأدلة الحرج واستدل المانعون بانتفاء الضرر مع المندوحة فيزول المقتضى ويرده عدم انحصار المدرك بقاعدة نفى الضرر بل المعتمد انما هو اخبار الباب وظاهرها جواز التقية مطلقا وتقييدها بعدم المندوحة مما لا دليل عليه بل الأدلة ناطقة بخلافه حيث إن ظواهر أكثر اخبار التقية ان مجرد وقوع العبادة بمحضر العامة مقتض لوجوب التقية مطلقا من دون اشتراطه بشئ اخر مثل ما رواه العياشي بسنده عن صفوان عن أبي الحسن (ع) في غسل اليدين قلت له يرد الشعر قال (ع) ان كان عنده آخر فعل يعنى بالاخر من يتقيه إذ لا يمكن تقييده بما إذا كان ذاك لاخر ملازما له في تمام الوقت ولم يتمكن من طرده أو التستر عنه وكذا غيره من الاخبار الامرة بالصلاة معهم والحضور في مجامعهم الدالة على الحث العظيم على الصلاة مع المخالف ووعد الثواب عليها حتى ورد ان الصلاة معهم كالصلاة مع رسول اله صلى الله عليه وآله إلى غير ذلك من الاخبار التي لا يمكن ارتكاب التقييد فيها بما إذا لم يتمكن من ايجاد صلاته في جميع وقتها الا في مكان يجب فيه التقية بل لا يبعد دعوى صراحة غير واحد من الاخبار في أن الامر في التقية أوسع من ذلك * (نعم) * يظهر من غير واحد من الاخبار إناطة الاذن في التقية بالضرورة كرواية البزنطي عن إبراهيم بن هاشم قال كتبت إلى أبي جعفر الثاني (ع) أسئله عن الصلاة خلف من تولى أمير المؤمنين (ع) وهو يمسح على الخفين فكتب لا تصل خلف من يمسح على الخفين فان جامعك وإياهم موضع لا تجد بدا من الصلاة معهم فاذن لنفسك وأقم [الخ] * (وفي) * رواية معمر بن يحيى كلما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية وبمعناها غيرها وظاهرها كونها مسوقة لبيان ضابط التقية ومدارها نفيا واثباتا وفي المرسل المحكى في الفقه الرضوي عن العالم لا تصل خلف أحد الا خلف رجلين أحدهما من تتق به وبدينه وورعه والاخر من تتقى سيفه وسوطه وشره وبوائقه وشنعته فصل خلفه على سبيل التقية والمداراة وعن دعائم الاسلام بسنده عن أبي جعفر (ع) لا تصلوا خلف ناصب ولا كرامة الا ان تخافوا على أنفسكم ان تشهروا ويشار إليكم فصلوا في بيوتكم ثم صلوا معهم واجعلوا صلواتكم معهم تطوعا ولكن الذي يقتضيه الجمع بين الاخبار حمل الضرورة المعتبرة في مشروعيتها على الضرورة الفعلية حال العمل لا الضرورة المطلقة لما عرفت من عدم امكان تقييد الأخبار السابقة بها بل ومنافاته للتسهيل الذي عليه ابتناء شرع التقية لان الالتزام بالتخلص بنفسه ضيق وحرج مع أن اعمال الحيلة وبذل الجهد في التقصي حال العبادة غير معروف عن المعاصرين للأئمة (ع) فالقول باشتراطها بعدم المندوحة مطلقا ضعيف نعم لا بد من الالتزام باشتراطها بعدم تمكنه من ايجاد الفعل الصحيح الواقعي حين إرادة امتثال امره بمعنى عدم تمكنه في زمان صدور الفعل منه ومكانه الا من ايجاده على وجه التقية بل نفى الريب عنه غير واحد بل يظهر من بعض ان خلافهم في اعتبار عدم المندوحة وعدمه انما هو بالمعنى الأول واما اعتبار عدم المندوحة بهذا المعنى فمما لا خلاف فيه ويؤيد كلامه ان عدم المندوحة بهذا المعنى بحسب الظاهر من مقومات موضوع التقية عرفا مع أنه لا مقتضى لتقييد الأوامر الواقعية بغير الفرض لأن المفروض ان التقية
(١٦٥)