وجوب مغاير لوجوبه المقدمي بل المرسلة المتقدمة كادت أن تكون صريحة في إرادة الوجوب المقدمي فان قوله (ع) فبلوا الشعر وانقوا البشرة بعد قوله ان تحت كل شعرة جنابة بمنزلة ما لو أخبر المولى عبده بان عنده ضيوف اثم امره مفرعا على ذلك بان يدخل السوق ويشترى اللحم لاطعامهم فإنه لا يتوهم في مثل الفرض الا إرادة الوجوب الغيري وفي الامر ببل الشعر دون غسله أو انقائه اشعار بذلك * (و) * يؤيده الرضوي المتقدم الذي هو بمنزلة التفسير لهذه الرواية فان اعتمدنا على الرضوي ولو بملاحظة انجبار ه بالشهرة ونقل الاجماع فهو في حد ذاته حجة كافية لاثبات المدعى والا فشاهد عدل على ظهور النبوي في ما ادعيناه من إرادة الوجوب الغيري والتوعيد في الصحيحة على ترك غسل شعره باستحقاق النار لا يدل على أزيد من وجوب غسل كل شعرة أعم من أن يكون نفسيا أو غيريا لان الواجب الغيري أيضا يستحق تاركه العقاب باعتبار ترتب ترك الغير عليه الا ترى أنه يصح أن يقول المولى لعبده المأمور بذهاب السوق لشراء اللحم فإن لم تذهب أعاقبك كذا وكذا فمن الممكن ان يكون استحقاق العقاب بترك غسل الشعرة لأجل ما هو ملزوم له من جفاف ما حولها وليس في اللفظ ما ينفى هذا الاحتمال نعم فيه اشعار أو ظهور بدوي في كون استحقاق العقاب لأجل ترك غسل الشعرة لذاته ولكنه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذا الظهور البدوي في اثبات الحكم المخالف للأصل والاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة مع منافاته لما يستشعر من أكثر اخبار الباب ويستظهر من بعض كالمرسلة والرضوي المتقدمتين فاتضح لك ان الأقوى ما عليه المشهور ولكن الاحتياط ممالا ينبغي تركه خصوصا لو قيل بوجوب الاحتياط عند الشك في جزئية شئ لواجب كما هو قول بعض والله العالم * (ثم) * لا يخفى عليك ان المراد بوجوب غسل البشرة انما هو غسل الظاهر منها دون الباطن كما صرح به غير واحد من الأصحاب بل عن المنتهى والحدائق نفى الخلاف فيه ويدل عليه مضافا إلى الأصل مرسلة أبى يحيى الواسطي عن بعض أصحابه قال قلت لأبي عبد الله (ع) الجنب يتمضمض ويستنشق قال لا انما يجنب الظاهر وعن الصدوق انه روى عن أبي يحيى عمن حدثه قال قلت لأبي الحسن (ع) الجنب يتمضمض قال انما يجنب الظاهر ولا يجنب الباطن والفم من الباطن قال وروى في حديث آخر ان الصادق (ع) قال في غسل الجنابة إن شئت تتمضمض وتستنشق فافعل وليس بواجب لان الغسل على ما ظهر لا على ما بطن ويمكن استفادته أيضا من الأخبار المتقدمة في الوضوء فلاحظ ولو شك في كون بعض المواضع من الظاهر أو الباطن كأوائل الانف ومطبق الشفة وداخل الاذن وعكن البطن ونحوها لا يجب غسله على الأظهر لأصالة البراءة وقيل يجب لقاعدة الشغل * (وفيه) * انه لم يثبت اشتغال الذمة بأزيد مما علم كونه من الظاهر وقد تقرر في محله ان المرجع عند دوران التكليف بين الأقل والأكثر البراءة لا الاحتياط * (نعم) * لو قلنا بان المكلف به هو التطهير وإزالة الجنابة وهو مفهوم مبين والامر بالغسل لكونه مما يتحقق به هذا المفهوم المبين لاتجه القول بوجوب الاحتياط لكن فيه كلام تقدم الإشارة إليه في مبحث الوضوء والاحتياط مما لا ينبغي تركه خصوصا لو توقف القطع بغسل الظاهر على غسله فإنه يجب [ح] جزما من باب المقدمة العلمية كما أنه يجب على القول بوجوب غسل المواضع المشكوكة غسل مقدار من البواطن التي يتوقف العلم بحصول الغسل الواجب على غسلها * (والخامس) * من واجبات الغسل الترتيب بان يبدء بالرأس ثم بالجانب الأيمن ثم بالأيسر على المشهور اما وجوب تقديم الرأس على الجانبين فلم ينقل التصريح بالخلاف فيه من أحد * (نعم) * عن ظاهر الصدوقين عدم الوجوب لوقوع عطف البدن على الرأس بالواو في عبارتهما عند بيان الكيفية ولكنه نقل عنهما التصريح في آخر المسألة بوجوب إعادة الغسل لو بدء بغير الرأس ومع هذا التصريح يشكل الاعتماد على ظهور عبارتهما في صدر المسألة في المخالفة وان أمكن التزامهما بالبطلان عند التأخير لا فيما لو فرغ من غسل الرأس قبل اكمال البدن كما يشهد له حسنة زرارة الآتية فتأمل وربما نسب الخلاف إلى الإسكافي مستشعرا من كلامه من دون ان يكون له تصريح بذلك ولذا قال في الجواهر يمكن تحصيل الاجماع عليه وفي المستند بعد أن وجه ظاهر الصدوقين ونفى تصريح الإسكافي بالخلاف قال فيكون اجماعا من الكل فهو الحجة وعن الخلاف والانتصار والغنية والسرائر والتذكرة والذكرى وظاهر المنتهى والروض وغيرهما دعوى الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى الاجماعات المستفيضة المعتضدة في الوضوء بالشهرة المحققة جملة من الأخبار المعتبرة ففي صحيحة حريز الواردة في الوضوء قال قلت فان جف الأول قبل أن اغسل الذي يليه قال جف أو لم يجف اغسل ما بقي قلت وكذلك غسل الجنابة قال هو بتلك المنزلة وابدء بالرأس ثم افض على سائر جسدك قلت وان كان بعض يوم قال نعم وحسنة زرارة من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثم بداله ان يغسل رأسه لم يجد بدا من إعادة الغسل وهذه الرواية وان اختص موردها بما غسل الرأس بعد البدن ولكن نقل عدم القول بالتفصيل فيتم بها الاستدلال وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سئلته عن غسل الجنابة فقال تبدء بكفيك ثم تغسل فرجك ثم تصب على رأسك ثلثا ثم تصب على سائر جسدك مرتين فما جرى عليه الماء فقد طهره إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيمر عليك بعضها [انش] وكون الغسل بثلث اكف مستحبا لا يقتضى حمل الامر المتعلق به في جملة من الاخبار على الاستحباب كما توهم بل الامر فيها محمول على ظاهره من الوجوب غاية الأمر ان متعلقه اقصا فردي الواجب وقد تقدم توضيحه في نظير المقام في مسألة غسل الوجه من أعلاه إلى أسفله في الوضوء وكيف كان فلا اشكال في أصل
(٢٤٣)