ولكنك عرفت أن هذه الصفة ليست من الأوصاف المتأصلة في الخارج بل هي من الإضافات كالأبوة والبنوة فلا تحقق لها الا باعتبار منشأ انتزاعها فالامر بايجاد الأوصاف النسبية امر بايجاد طرفي النسبة في الخارج فالقول بان معروض الوجوب الغيري هو المقدمة الموصلة مرجعه إلى القول بان موضوع الوجوب الغيري هو مجموع الفعلين * (وفيه) * مالا يخفى سلمنا امكان ذلك الا انك قد عرفت أن الامر بالمقدمة الموصلة ينحل إلى الامر بايجاد ذات المقدمة وايجاد ما ينتزع منه هذه الصفة فمطلق المقدمة مقدمة لمقيدها ومقدمة المقدمة كنفس المقدمة واجبة فلو تحققت في الخارج بداعي امرها الغيري تقع بصفة المطلوبية والوجوب لا محالة * (وتوهم) * اختصاص وجوبها أيضا بموصلتها * (مدفوع) * بلزوم التسلسل فأين المفر من القول بوجوب مطلق المقدمة بناء على القول بالوجوب كما هو المفروض هذا كله لو بنى على أن وصف الايصال من قيود المطلوب كما هو الظاهر من مراده واما لو قيل بأنه شرط للطلب ففساده أوضح لان وجود الفعل الثاني علة لسقوط الطلب عن نفسه فضلا عن مقدمته فكما لا يجوز ان يكون وجود شئ شرطا لوجوب نفسه كذلك لا يمكن ان يكون شرطا لوجوب مقدمته وبعد الاغماض عن ذلك كله نقول إن صريح الوجدان يغنى المنصف عن مطالبة البرهان لأنك إذا راجعت وجدانك بعد علمك باشتغال ذمتك بالصلاة المشروطة بالوضوء لا تكاد ترتاب في أن الواجب عليك قبل تحصيل الشرط امر ان * (أحدهما) * فعل الوضوء والاخر فعل الصلاة بعده فإذا توضأت لأجل امتثال امره هل تجد من نفسك احتمال بقاء الامر بالوضوء وتنجزه في حقك بعد فعله كقبله أم لا ترى الا توجه الامر بالصلاة في حقك لا غير وليس هذا الا لكون فعل الوضوء مسقطا لامره المتعلق به وهذا معنى صحته ووقوعه بصفة المطلوبية وإذا وقع بهذه الصفة يمتنع انقلابه عما وقع عليه سواء لحقه فعل الغير أم لا واما وجوب اعادته لو انتقض قبل فعل الصلاة فليس منافيا لذلك لان العقل كما حكم بوجوب ايجاده أولا كذلك يحكم بوجوب اعادته بعد انتقاضه ما دامت الصلاة باقية على صفة المطلوبية * (ثم) * ان في المقام توهما آخر نظير التوهم السابق صدر من بعض الاعلام النافي وجوب مقدمة الواجب مطلقا وهو اختصاص وجوبها على تقدير القول به بما إذا كان المكلف عازما على امتثال الواجب وإلا فلا معنى لوجوب المقدمة حال كونه بانيا على عصيان ذيها وكان هذا البعض قاس الوجوب الشرعي بالالزام العقلي الناشئ عن اللابدية والتوقف الذي لا اختصاص له بمقدمة الواجب ضرورة حصوله في مقدمة الحرام أيضا فضلا عن غيره لان كل من ينوى ارتكاب فعل من الأفعال ولو كان محرما يلزمه عقله بتحصيل مقدماته واما الايجاب الشرعي المولوي الذي يلتزم به القائل بوجوب المقدمة فلا يعقل تعليقه على مشية المكلف وعزمه على عدم عصيانه لاستلزامه إباحة الواجب وفساده ظاهر * (ثم) * ان هذا القائل لو لم يعتبر في وجوبها ووقوعها بصفة المطلوبية الا مجرد إرادة فعل ذيها فلا يضر قوله بمقالتنا وهي صحة وضوء من كان من نيته فعل الصلاة ولم يفعلها وان اعتبر مع ذلك حصول مراده في الخارج مترتبا على فعل المقدمة يكون قوله أخص من القول السابق ومفاسده أعم كما لا يخفى هذا والذي يقتضيه التحقيق هو ان مقدمة الواجب من حيث هي معروضة للوجوب الغيري التبعي وتتبع ذاها في الوجوب اطلاقا وتقييدا لان وجوبها متولد من وجوبه فيتبعه لا من وجوده فلا يدور مداره فمتى تحققت في الخارج بداعي امتثال امرها الغيري تقع بصفة المطلوبية والوجوب ويمتنع انقلابها بعد عما وقعت عليه هذا كله مع أن قوله (ع) إذا توضأت فإياك ان تحدث وضوء حتى تستيقن انك قد أحدثت بل وغيره مما دل على أن الوضوء لا ينقضه الا الحدث أغنانا في خصوص ما نحن فيه عن كلفة ابطال مقالة الخصم وتوهم ان احتمال مدخلية حصول الغاية في صحة الوضوء يمنع من التمسك بالرواية على ما هو التحقيق من كون الألفاظ أسامي للصحيحة * (مدفوع) * بان هذا الاحتمال على تقدير تحققه لا يوجب الترديد في مفهوم الوضوء الذي هو شرط للصلاة لان تأثير فعل الصلاة في وقوع الوضوء مؤثرا على تقدير امكانه انما هو من القيود اللاحقة للموضوع له وليس اعتباره في عرض سائر الشرائط المأخوذة في مفهوم الوضوء ضرورة صدق الوضوء عليه قبل تحقق الغاية واستفادة حكمه عند الشك في انتقاضه بالحدث من مثل الخبر المتقدم سواء كان الشك قبل التوصل به إلى فعل الغاية أم بعده فالوضوء على هذا التقدير اسم للمهية التي لو لحقها فعل الصلاة لوقعت مؤثره كسائر أسامي اجزاء الصلاة وشرائطها كالفاتحة ونظائرها * (الفرع الرابع) * لو توضأ بنية التجديد فانكشف سبق الحدث فالأقوى صحة وضوئه وفافا للمحكى عن الشيخ والمحقق وجماعة بل عن بعض دعوى الاجماع عليها ولكنها في غير محلها ووجه الصحة ما عرفت في غير واحد من الاخبار من ظهورها في كون الوضوء التجديدي بعينه هو المهية التي وقعت أولا فهو مثلها في تأثير النظافة فلو صادف الحدث رفعه والا اكد النظافة ويؤيده ما عن الذكرى ناسبا إلى ظاهر الاخبار والأصحاب من أن الحكمة في تشريعه تدارك ما في الطهارة الأولى من الخلل ومقتضاه تأثيره في رفع الحدث لو كانت الأولى فاسدة وتكميله
(١١٤)