هذا مع أن المناسبة المغروسة في الذهن توجب انصراف النهى عن الوضع إلى ذلك الا ترى هل يتوهم أحد من العوام الذين بلغهم حرمة وضع الجنب شيئا في المساجد انه إذا اضطر الجنب إلى البقاء في المسجد ولم يتمكن من التيمم انه لا يجوز له وضع ما معه فيه فالأظهر جواز الوضع الذي لا يستلزم اللبث المحرم كما لو وضع من خارج المسجد أو اجتاز وطرح فيه شيئا أو اضطر إلى البقاء ووضع ما معه فيه ومما يؤيد إناطة الحكم بالدخول لا الوضع وانه لا بأس بالوضع من غير الدخول ما أرسله علي بن إبراهيم في تفسيره عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال يضعان فيه الشئ ولا يأخذان منه فقلت ما بالهما يضعان فيه ولا يأخذان منه فقال لأنهما يقدران على وضع الشئ من غير دخول ولا يقدر ان على اخذ ما فيه حتى يدخلا لكن هذه الرواية لمعارضتها بالنسبة إلى الفقرة الثانية بما هو أقوى منها لا بد من طرحها أو حمل النهى عن الاخذ على الكراهة واما بالنسبة إلى الفقرة الأولى فلا معارض لها لان المراد منها الرخصة في الوضع من غير دخول كما يدل عليه العلة المنصوصة وهذا مما ينصرف عنه الصحيحتان المتقدمتان كمالا يخفى ثم إن مقتضى اطلاق النص وفتاوى الأصحاب جواز الاخذ من المسجد وان استلزم اللبث أو الجلوس وما يقال من أن الاطلاق مسوق لبيان حكم الاخذ من حيث هو * (يدفعه) * مضافا إلى ما عرفت من أن المتبادر من الروايتين كونهما مسوقتين لجواز الدخول الذي يستلزمه الوضع والاخذ ان الدخول واللبث في الجملة من مقدماته العادية فلا ينفك الرخصة فيه عن الاذن في الدخول واللبث بالمقدار المتعارف اللهم الا ان يدعى ان الغالب المتعارف في الاخذ هو الدخول والخروج لسرعة من غير مكث وهو من مصاديق المرور والعبور الذي تثبت الرخصة فيهما واطلاق الروايتين منزل عليه * (وفيه) * ان صدق عابري سبيل على أغلب مصاديق الاخذ المتعارف وهو ما لو دخل من باب وخرج منه ممنوع ودعوى صدق المرور في المسجد عليه كما وقع التعبير به في غير واحد من الاخبار على تقدير تسليمها غير مجدية لوجوب تقييد المرور على تقدير أعميته من عابري سبيل بما لا ينافي عموم الآية لان التقييد أهون من تخصيص العموم فظهر لك انه كما استثنى العبور والمرور من عمومات الأدلة كذلك استثنى منها الدخول للاخذ مطلقا بمقتضى اطلاق الروايتين وهل يختص جواز الاخذ كجواز المرور بما عدا المسجدين الآيتين أم يعمهما وجهان من اطلاق الروايتين ومن امكان دعوى سوقهما لبيان حكم سائر المساجد كما يدل عليه الاستثناء في صدر صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم والله العالم ويحرم على الجنب الجواز أيضا كاللبث في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله خاصة للاخبار المعتبرة المستفيضة التي تقدم بعضها وسياق بعض اخر ولو أجنب فيهما لم يقطعهما الا بالتيمم لصحيحة أبى حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وآله فاحتلم فاصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد الا متيمما ولا بأس ان يمر في سائر المساجد ولا يجلس في شئ من المساجد وعن الكافي روايتها عن أبي حمزة بسند فيه رفع ولكنه زاد فيها وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ولا بأس ان يمرا في سائر المساجد [الخ] ولا فرق في وجوب التيمم عليه بين ما لو احتلم أو أجنب اختيارا أو اضطرارا كما يدل عليه الصحيحة على ما رواها في المعتبر بعطف أو اصابته جنابة وكذا لا فرق بين عروض الجنابة في المسجد أو في خارجه فدخل فيه عصيانا أو نسيانا لا لدعوى القطع بعدم الفرق بين افراد الجنابة حتى يمكن المناقشة فيها بل لكون الحكم على طبق القواعد المقررة في الشريعة إذ بعد أن ثبت بالأخبار المستفيضة ان هذين المسجدين أعظم حرمة عند الله وان الجواز فيها كاللبث محرم يحكم العقل بأنه يجب عليه إذا اضطر إلى الجواز أو المكث فيهما ان يزيل جنابته حقيقة أو حكما والذي يقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن الصحيحة انه يجب عليه الغسل ان تمكن من أن يغتسل في المسجد في زمان يقصر عن زمان الخروج ولا يزيد عن زمان التيمم ولم يترتب على غسله تصرف غير سايغ كتنجيس المسجد أو تخريبه ولو ساوى زمان الغسل زمان الخروج فهو مخير بينهما إذ لم يثبت أهو نية أحد الامرين من الاخر حتى يترحج لكنك خبير بان هذين الفرضين متعذر الحصول عادة فعليه ان يتيمم لأنه أحد الطهورين بشرط ان يقصر زمانه عن زمان الخروج والا يجب عليه الخروج فورا ولا يشرع له التيمم لأنه بالنسبة إلى زمان التيمم معذور في بقائه جنبا ولا يعقل ان يكون مكلفا بالطهارة في هذا الحين والمفروض انه متمكن من الخروج من المسجد في زمان معذوريته فلا ضرورة له في التطهير حتى يشرع في حقه التيمم * (ولو) * قصر زمان التيمم عن زمان الخروج وتمكن من الاغتسال في المسجد في زمان يزيد عن زمان التيمم يجب عليه التيمم لا الغسل لان الغسل يستلزم زيادة المكث في المسجد وهي كأصل المكث محرمة فيجب عليه تحصيل الطهارة الترابية لأجل هذه المدة الزائدة التي لا يمكنه تحصيل الطهارة المائية لأجلها وكونه واجدا للماء حال التيمم غير مجد بعد كون استعماله مستلزما لارتكاب اللبث المحرم فإذا تيمم فان طال زمان الخروج عن زمان الغسل فالظاهر أنه يجب عليه الغسل تحصيلا للطهارة المائية للجزء الزائد من الزمان لتمكنه منها فلا اثر لتيممه بالنسبة إليه * (وكذا) * يجب عليه ان يغتسل في المسجد بعد أن تيمم لو اشتغل ذمته بواجب مشروط بالطهور وانحصر تمكنه من الغسل في المسجد طال زمانه عن زمن الخروج أم قصر بل يجب عليه في مثل الفرض ان يدخل في المسجد متيمما لو كان في خارجه ويغتسل فيه لأنه بالنسبة إلى ما عدا المكث في المسجد من الغايات متمكن من الطهارة المائية لان المقدور بالواسطة مقدور فلا يستباح شئ منها بالتيمم وما يقال من أن
(٢٣٤)