المباحث السابقة كمسألة المسح على الحائل ونظائرها من أن مناط جريان قاعدة الميسور انما هو كون الشئ بنظر العرف ذا مراتب بحيث يعد المأتي به بنظرهم ميسور المتعذر ولا شبهة في أن المأتي به فيما نحن فيه بنظر العرف ميسور المتعذر حيث إن الجسم الملتصق بالعضو يعد بنظرهم بنحو من الاعتبار بمنزلة بشرة العضو الا ترى أنه لو احتاج المستفتى إلى معرفة حكم مثل الفرض يسئل ابتداء بمقتضى طبعه عن كفاية غسله عن غسل محله لا كفاية غسل ما حوله في حصول الوضوء ويفصح عن ذلك أسئلة السائلين في بعض الروايات المتقدمة وغيرها من الاخبار التي تقدم بعضها في مسألة المسح مع وجود الحائل مثل الحناء وغيره والحاصل ان جريان قاعدة الميسور لا يتوقف على كون مجريها مركبا فضلا عن اختصاص جريانها بما إذا تعذر بعض اجزاء المركب نعم قد تجرى القاعدة في المركب الذي تعذر بعض اجزائه الغير المقومة للصدق العرفي من حيث إن المأتي به بنظرهم على هذا التقدير ميسور المتعذر وهذا لا يقتضى انحصارها فيه كما هو ظاهر واعترض أيضا على القاعدة بالنقض بما إذا تعذر عليه الماء لبعض الأعضاء فإنهم اتفقوا على أنه يتيمم ولا يشرع له الوضوء فلو كانت القاعدة جارية في باب الطهارة الحديثة لما جاز له التيمم في الفرض فاجماعهم كاشف عن عدم جريان القاعدة فيها * (وفيه) * ما عرفت من أن ملاك جريان القاعدة ليس تعذر الجزء حتى يدل اجماعهم المذكور على عدم جريان القاعدة في الوضوء مطلقا بل الملاك كون المأتي به ميسور المتعذر واجماعهم لا يدل الا على أن الطهارة لا تتبعض كما وقع التصريح به في بعض كلماتهم على وجه يظهر منه كونه من المسلمات وهذا لا يقتضى الا عدم جواز الاستدلال في أمثال المقام بقوله (ع) إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم وقوله (ع) مالا يدرك كله لا يترك كله لا عدم جريان قاعدة الميسور في الفرض الذي لا يتحقق معه التبعيض كما فيما نحن فيه نعم لو لم يتمكن من غسل الحاجب أو بعض مواضع الوضوء لنجاسته أو تضرره بالماء كوجع العين ونظائره يجب عليه التيمم كما وقع التصريح به في كلام جماعة ولا يجوز له الاقتصار على غسل ما حول العضو المتعذر وترك غسل العضو وما هو قائم مقامه عرفا لما عرفت من الاجماع على أن الطهارة لا تتبعض ولولا ثبوت عدم قابلية الوضوء والغسل للتبعيض لكان مقتضى قاعدة الميسور صحتهما في بعض صور التبعيض كما سبقت الإشارة إليه فالاجماع أوجب تخصيص القاعدة بغير الموارد التي يصدق فيها التبعيض لاطرحها رأسا واما المناقشة في دلالة رواية عبد الأعلى فبانه لو بنى على الاخذ بعمومها أعني سقوط شرطية الشرط المتعذر كقيد المباشرة في المسح ووصول الماء إلى البشرة في الغسل كما هو مقتضى إحالة الإمام (ع) معرفة حكمه إلى اية نفى الجرح للزم تأسيس فقه جديد حيث إن اللازم منه ارتفاع مشروعية التيمم بالنسبة إلى المتضرر بالغسل لبرد أو مرض أو نحوهما لان كل مريض متمكن بمباشرة أو تولية من مسح ما عليه من اللباس الساتر لبدنه بل من مسح بدنه تدريجا بيده المبلولة ويدفعها أولا ان مقتضى المناقشة المذكورة على تقدير تسليمها ليس إلا عدم جواز التخطي عن مورد الرواية واثبات وجوب الوضوء والغسل على المريض بغسل ثيابه أو اللحاف الملتف به بدعوى سقوط قيد وصول الماء إلى البشرة واما طرح الرواية رأسا وعدم الاخذ بمضمونها في خصوص موردها فلا إذ لا اجمال فيها من هذه الجهة وانما عرضها الاجمال من حيث مناط الحكم وكيفية استفادته من كتاب الله وحينئذ نقول الرواية صريحة في كفاية المسح على المرارة المجعولة على الإصبع وعدم وجوب نزعها إذا كان حرجا عليه وكذا ما هو من أشباهها حيث قال الإمام (ع) يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ولا شبهة انه لو التصق بالإصبع الصحيحة شئ كالمرارة وتعذر نزعه دخل في الموضوع الذي يستفاد حكمه من منطوق الرواية حيث إنه بنظر العرف من أشباه مورد سؤاله وليس خصوصية كونها للتداوي من القيود في أشباهه عرفا فإذا جاز المسح على الجسم الملتصق بالإصبع جاز في غيره لعدم القول بالفصل وثانيا ان استفادة حكمه من كتاب الله تعالى انما هي بضميمة مقدمة مغروسة في ذهن السائل بل جميع العقلاء في مقاصدهم العقلائية من أن الميسور لا يسقط بالمعسور إذ لا يستفاد من اية نفى الحرج الا عدم وجوب مسح البشرة واما وجوب مسح الجسم الملتصق بها فهو للقاعدة المغروسة في ذهن السائل كما يشعر بذلك سؤاله حيث قال كيف اصنع بالوضوء فان ظاهر سؤاله يعطى ان وجوب الوضوء وعدم سقوطه في حقه كان عنده مسلما مفروغا عنه فالرواية تدل بالالتزام على أن قاعدة الميسور ممضاة لدى الشارع في الأحكام الشرعية كالأغراض العقلائية وكيف كان فلا يستفاد من الرواية الا وجوب الاتيان بما هو بنظر العرف من مراتب المأمور به واما غسل ثياب المريض واللحاف الملتف به فهو مهية أجنبية عن مهية المأمور به * (الرابع) * مقتضى الجمود على ما يترأى من ظاهر النصوص وأكثر الفتاوى وجوب المسح على الجبيرة ولو في محل الغسل وعدم كفاية غسلها ومجرد ايصال الماء إليها من دون مسح ولكن المتأمل في الاخبار وأسئلة السائلين لا يكاد يرتاب في عدم إرادة الإمام (ع) حيث امر بمسح الجبيرة بدلا من غسل محلها الا بيان انتقال حكم المحل إلى الحال وكفاية ايصال الماء إلى ظاهر الجبيرة بدلا من محلها والتعبير بالمسح انما هو لبيان كفاية مجرد ايصال البلة إليها بسبب المسح وعدم وجوب اجزاء الماء عليها كما هو المتبادر من الامر بغسل الجبيرة والخرقة واحتمال إرادة اعتبار مهية المسح أعني امرار الماسح على الممسوح تعبدا فيكون الوضوء في حق ذي الجبيرة غسلتان ومسحات حتى نحتاج إلى التكلم في أنه هل يعتبر
(١٨٨)