الحكم بملاحظة الاجماعات المستفيضة والاخبار المتكاثرة المتظافرة نعم ربما يتراءى التنافي بينها وبين جملة من الاخبار التي يستشعر منها بل يستظهر من بعضها ان المقصود من الغسل انما هو غسل جميع البدن ولا يعتبر فيه امر زائد عليه فمنها رواية قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا (ع) أنه قال في غسل الجنابة تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك وتبول ان قدرت على البول ثم تدخلها في الاناء ثم اغسل ما أصابك منه ثم أفض على رأسك وجسدك ولا وضوء فيه * (ومنها) * مرسلة محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (ع) في رجل اصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده أيجزيه ذلك من الغسل قال نعم * (ومنها) * ما في صحيحة زرارة المتقدمة قال (ع) ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ليس قبله ولا بعده وضوء وكل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسه واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده إلى غير ذلك من الاخبار المشعرة بذلك أو الظاهرة فيه كالصحيحة الأخيرة وما سبقها ومقتضى الجمع بينها وبين الأخبار السابقة تقييد هذه الأخبار بما يحصل معه الترتيب (لأظهرية بعض الأخبار السابقة في وجوب الترتيب) كصحيحة حريز التي ورد فيها الامر بالبدئة بالرأس مع ما فيه من الاشعار بإرادة عموم المنزلة من التشبيه لا خصوص الجهة التي سبق لأجلها الكلام وحسنة زرارة الامرة بإعادة الغسل عند الاخلال بالترتيب * (نعم) * سائر الأخبار المتقدمة لا تكافئ ظهورها في وجوب الترتيب ظهور هذه الأخبار في العدم لقوة احتمال وقوع العطف بلفظه ثم للجرى مجرى العادة فيشكل التصرف لأجلها في الصحيحة الدالة على كفاية الارتماس مع ما فيها من قوة الدلالة على عدم اعتبار الترتيب وكون الغسل الارتماسي والترتيبي مهية واحدة حيث إنه يستشعر من قوله (ع) وإن لم يدلك جسده ان منشأ توهم عدم الكفاية انما هو احتمال مدخليته الدلك فيتقوى بذلك ظهور الصدر في الاطلاق لكنه مع ذلك لا يلتفت إلى مثل هذا الظاهر بعد اعراض الأصحاب عنه ومعارضته بالصحيحة والحسنة المتقدمتين المعتضدتين بظهور سائر الأخبار وبالاجماعات المنقولة والشهرة المتحققة * (وقد) * اتضح لك من ذلك أنه يتعين ارتكاب التأويل أو الطرح في ما رواه هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) انه كان بين مكة والمدينة ومعه أم إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها وقال لها إذا أردت ان تركبي فاغسلي رأسك ففعلت ذلك فعلمت بذلك أم إسماعيل فحلقت رأسها فلما كان من قابل انتهى أبو عبد الله (ع) إلى ذلك المكان فقالت له أم إسماعيل أي موضع هذا قال هذا الموضع الذي أحبط الله فيه حجك عام أول * (وعن) * الشيخ ان هذا الحديث قد وهم الراوي فيه واشتبه عليه فرواه بالعكس لان هشام بن سالم راوي هذا الحديث روى ما قلناه بعينه وعنى بذلك ما رواه هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال دخلت على أبي عبد الله (ع) فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه فقال ادنه هذه أم إسماعيل جاءت وانا أزعم ان هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجها عام أول كنت أردت الاحرام فقلت ضعوا إلى الماء في الحناء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستحففتها فأصبت منها فقلت اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الاحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فنستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمست مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها وضربتها فقلت لها هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك * (و) * كيف كان فلا ينبغي التأمل في وجوب تقديم غسل الرأس على الجانبين بالنظر إلى ما يقتضيه الأدلة الاجتهادية والله العالم بحقايق احكامه * (واما) * الترتيب بين الجانبين بتقديم الأيمن على الأيسر فهو المشهور بين الأصحاب على ما ادعاه غير واحد بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه * (واستدل) * عليه مضافا إلى الاجماعات المنقولة المستفيضة المعتضدة بالشهرة بحسنة زرارة قال قلت له كيف يغتسل الجنب قال إن لم يكن أصاب كفه شئ غمسها في الماء ثم بدا بفرجه فانقاه ثم صب على رأسه ثلث اكف ثم على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد اجزاء * (ونوقش) * بعدم دلالة الواو على الترتيب عند الجمهور * (وأجيب) * بأنه يستفاد من الرواية كون الجسد في الغسل ثلاثة اجزاء الرأس والمنكب الأيمن والمنكب الأيسر ولا أحد ممن يقول بذلك الا وهو قائل بالترتيب إذا لقائل بعدمه يدعى أنه جزءان الرأس والجسد أو يقال إن المنساق إلى الذهن من هذه العبارة مع قطع النظر عن قاعدة الواو الترتيب * (أقول) * الظاهر أن غرضه [ره] انه يفهم من الرواية وجوب غسلات على مواضع ثلاثة وكل من قال بذلك قال باعتبار الترتيب بين الجانبين * (وفيه) * ان العرف والعادة يشهدان بان من يريد أن يكلف عبده بغسل جسده بالأكف من الماء بعد غسل رأسه * (ربما) * يعبر بقوله اغسل رأسك ثم أفض الماء على جسدك كله كما وقع التعبير بذلك في كثير من الاخبار وقد يعبر بقوله صب كفا أو كفين مثلا على هذا الطرف وكذا صب كفا على ذلك الطرف واجر الماء المصبوب على سائر جسدك كما وقع التعبير به في هذه الرواية ويؤيده جريها مجرى العادة اطلاق قوله فما جرى عليه الماء فقد أجزاه من دون فرق بين كون المجرى من ناحية المنكب الذي صب عليه الماء أو من الناحية الأخرى واما دعوى انسباق الترتيب إلى الذهن من هذه العبارة فمنشأها عدم امكان ايجاد الفعلين دفعة فيستشعر من تعلق الإرادة والطلب بأحدهما قبل الاخر إرادة ايجادهما مترتبين في مقام الامتثال لكنه مجرد اشعار لا يبلغ مرتبة الدلالة بحيث يندرج في مداليل الألفاظ كمالا يخفى على المتأمل في نظائره والانصاف انه على القول بإفادة الواو للترتيب أيضا كما
(٢٤٤)